صفحة جزء
1432 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : إن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان . وفي رواية : تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغش بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه ، فقال : " دعهما يا أبا بكر ; فإنها أيام عيد . وفي رواية : يا أبا بكر ، إن لكل قوم عيدا ، وهذا عيدنا " . متفق عليه .


1432 - ( وعن عائشة قالت : إن أبا بكر دخل عليها ) : التعبير بأبي بكر يحتمل أن يكون من تصرفات الراوي لتجويز نقل المعاني كقوله : ( وعندها جاريتان ) أي : بنتان صغيرتان ، أو خادمتان مملوكتان ، وصح أن إحداهما كان اسمها حمامة . ( في أيام منى ) : بعدم الانصراف ، وقيل ينصرف أي : أيام النحر والتشريق . ( تدففان ) : [ ص: 1065 ] بالتشديد أي : تضربان بالدف . قال الطيبي في الغريبين ، الدف : الجنب ، ومنه دفتا المصحف لمشابهتهما بجنبين ، والدف بالضم سمي به لأنه متخذ من جلد الجنب اهـ . وفي النهاية : الدف ، بالضم والفتح معروف ، وفي القاموس : الدف ، بالفتح الجنب من كل شيء أو صفحته ، والذي يضرب به ، والضم أعلى . ( وتضربان ) أي : بالدف ، فيكون عطفا تفسيريا . قال الطيبي : قيل تكرار لزيادة الشرح ، وقيل ترقصان من ضرب الأرض ووطئها اهـ . وقيل : تضربان على الكف يعني تارة وتارة .

( وفي رواية : تغنيان ) أي : بدل ما تقدم ، أو زيادة على ما سبق ، فيكون حالا بأن ترفعا أصواتهما بإنشاد الشعر قريبا من الحداء ، وفي رواية للبخاري : " وليستا بمغنيتين " أي : لا تحسنان الغناء ولا اتخذتاه كسبا وصنعة ، أو لا تعرفان به ، أو ليستا كعادة المغنيات من التشويق إلى الهوى ، والتعريض بالفاحشة ، والتشبيب بالجمال الداعي إلى الفتنة ، ومن ثم قيل : الغناء رقية الزنا ، وهو مروي عن ابن مسعود . ( بما ) وفي رواية : مما . ( تقاولت ) : تفاعل من القول أي : تناشدت وتفاخرت به . ( الأنصار ) أي : بما يخاطب الأنصار بعضهم بعضا في الحرب من الأشعار التي تفاخر فيها الحيان الأوس والخزرج . ( يوم بعاث ) : بضم الباء ، اسم موضع من المدينة على ميلين ، والأشهر فيه ترك الصرف قاله العسقلاني .

وفي النهاية : بالعين المهملة ، ومن قال بالمعجمة فقد صحف ، وهو اسم حصن للأوس جرى الحرب في هذا اليوم عند هذا الحصن بين الأوس والخزرج ، وكانت فيه مقتلة عظيمة ، وكانت النصرة للأوس ، واستمرت بينهما مائة وعشرين سنة حتى زالت بيمن قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه نزل قوله - عز وجل : لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ذكره الطيبي : وقال تعالى في حقهم أيضا : واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها . ( والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغش ) أي : متغط وملتف . ( بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ) أي : زجرهما بكلام غليظ عن الغناء بحضرته - عليه الصلاة والسلام - لما تقرر عنده من منع اللهو والغناء مطلقا ، ولم يعلم أنه - عليه الصلاة والسلام - قررهن على هذا النزر اليسير . ( فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه ، فقال : " دعهما " ) أي : اتركهما . ( " يا أبا بكر فإنها " ) أي : أيام منى أو الأيام التي نحن فيها . ( " أيام عيد " ) : سماها عيدا لمشاركتها يوم العيد في عدم جواز الصوم فيها قاله ابن الملك ، وفي مقاله نظر ، والأظهر ما قاله ابن حجر : أي : أيام سرور وفرح ، وهذا من جملته . وقال النووي : أجازت الصحابة غناء العرب الذي فيه نشاد وترنم والحداء ، وفعلوه بحضرته - عليه الصلاة والسلام - وبعده ، ومثله ليس بحرام حتى عند القائلين بحرمة الغناء ، وهم أهل العراق ، ولا يجرح الشاهد قال : وفي الحديث أن مواضع الصالحين تنزه عن اللهو ، وإن لم يكن فيه إثم ، وأن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما لا يليق به ينكره إجلالا للكبير أن يتولى ذلك بنفسه .

( وفي رواية : " يا أبا بكر " ) : كذا في نسخة السيد بإثبات الهمزة بعد حرف النداء في الأول دون الثاني إشارة إلى جواز الأمرين ، فإن الأول القياس الخطي ، والثاني الرسم القرآني . ( " إن لكل قوم " ) أي : من الأمم السالفة من الأقوام المبطلة . ( " عيدا " ) : كالنيروز للمجوس وغيرهم ، وجعل علماؤنا التشبه بهم كلبس ثياب الزينة ، ولعب البيض ، وصبغ الحناء ، واللهو والغناء على وجه التعظيم لليوم كفرا . ( " وهذا " ) أي : هذا الوقت . ( " عيدنا " ) أي : معاشر الإسلام . قال الطيبي : وهذا اعتذار منه - عليه الصلاة والسلام - بأن إظهار السرور في يوم العيدين شعار أهل الدين ، وليس كسائر الأيام . وفي شرح السنة : كان الشعر الذي تغنيان به في وصف الحرب والشجاعة ، وفي ذكره معونة بأمر الدين ، وأما الغناء بذكر الفواحش والمنكرات من القول ، فهو المحظور من الغناء ، وحاشا أن يجري شيء من ذلك بحضرته - عليه الصلاة والسلام - . قال الأشرف : فيه دليل على أن السماع وضرب الدف غير محظور لكن في [ ص: 1066 ] بعض الأحيان . أما الإدمان عليه فمكروه ، ومسقط للعدالة ، ماح للمروءة . قال ابن الملك : في الحديث دليل على أن ضرب الدف جائز إذا لم يكن له جلاجل ، وفي بعض الأحيان ، وأن إنشاد الشعر الذي ليس بهجو ولا سب جائز . وفي فتاوى قاضيخان : استماع صوت الملاهي كالضرب بالقضيب ونحو ذلك حرام ومعصية لقوله - عليه الصلاة والسلام - " استماع الملاهي معصية ، والجلوس عليها فسق ، والتلذذ بها من الكفر " إنما قال ذلك على وجه التشديد ، وإن سمع بغتة فلا إثم عليه ، ويجب عليه أن يجتهد كل الجهد حتى لا يسمع لما روي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدخل أصبعيه في أذنيه ، وأما قراءة أشعار العرب فما كان فيها من ذكر الفسق والخمر والغلام مكروه ; لأنه ذكر الفواحش . ( متفق عليه ) . ورواه النسائي ، قاله ميرك .

التالي السابق


الخدمات العلمية