صفحة جزء
1459 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا دخل العشر ، وأراد بعضكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا ، وفي رواية : فلا يأخذن شعرا ، ولا يقلمن ظفرا ، وفي رواية : من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي ، فلا يأخذ من شعره ولا من ظفاره . رواه مسلم .


1459 - ( وعن أم سلمة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا دخل العشر ) أي : أول عشر ذي الحجة . ( وأراد ) أي : قصد . ( بعضكم أن يضحي ) : سواء وجب عليه الأضحية ، أو أراد التضحية على الجهة التطوعية ، فلا دلالة فيه على الفرضية ، ولا على السنية . وفي شرح السنة : في الحديث دلالة على أن الأضحية غير واجبة ; لأنه فوض إلى إرادته حيث قال : وأراد ) ، ولو كانت واجبة لم يفوض اهـ . وتبعه ابن حجر .

قلت : يرد عليه قوله - عليه الصلاة والسلام - : من أراد الحج فليعجل وقوله : من أراد الجمعة فليغتسل . ولهذا اعترض جمع متأخرون من الشافعية أيضا على هذا القول ، وأطالوا في إبطاله ، ثم قال الطيبي : وتبعه ابن حجر ولأن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - كانا لا يضحيان كراهية أن يرى أنها واجبة بل هي مستحبة .

[ ص: 1081 ] أقول : على تقدير صحة النقل عنهما يحمل على أن الأضحية لم تكن واجبة عليهما لعدم وجود النصاب عندهما ، وتركاها كراهة أن يرى أنها واجبة حتى على الفقراء ، مع أنه لا يعرف من الصحابة أنهم تركوا السنة لئلا يتوهم الوجوب ، فإن هذا وظيفة الشارع حيث يترك الشيء تارة لبيان الجواز ، وللعلم بعدم الوجوب ، وأيضا هذه العلة لا تعلم إلا من قبلهما لأنها ناشئة من قبلهما . نعم لو صرحا بها لكان يصلح للاستدلال في الجملة ، فكان لنا أن نقول مرادهما بالوجوب الفرضية ، إذ الفرق بين الفرض والوجوب حادث بعدهما ، ونحن نقول بعلوم الفرضية لفقدان الأدلة القطعية ، ويكفي للوجوب بعض الأدلة الظنية ، ثم قال الطيبي : وهو قول ابن عباس ، وهذا مبهم أيضا ، فإنه يحتمل أنه قال : سنة ، فيحمل على أنها ثابتة بالسنة ، فلا تنافي الوجوب ، ويحتمل أنه مذهبه ، وهذا لا يضرنا لأنا ما ادعينا الإجماع على وجوبها ، ثم قال : وإليه ذهب الشافعي ، وذهب أصحاب أبي حنيفة : أن وجوبها على من ملك نصابا ، والصواب أن هنا قول أبي حنيفة لا قول الأصحاب ، ثم قال لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( على أهل كل بيت في كل عام ) ضحية وعتيرة والحديث ضعيف اهـ . وتبعه ابن حجر .

أقول : الصحيح أنه حسن كما سيأتي ، مع أن أخذ المجتهد له يدل على قوته ، ولا يضر ضعف حدث بالحديث بعده ، ثم قال : مع أن العتيرة غير واجبة بالاتفاق اهـ . وتبعه ابن حجر .

قلت : ولا سنة بالاتفاق ; لأنها منسوخة كما قال أبو داود ، والنسخ يدل على الوجوب أيضا ، وقد جاء في حديث نسخ الأضحى كل ذبح والله تعالى أعلم . ( فلا يمس ) : بضم السين المشددة أي : بالقطع والإزالة . ( من شعره ) : بفتح العين وتسكن . ( وبشره ) : بفتحتين . ( شيئا ) : قال التوربشتي : ذهب بعضهم إلى أن النهي عنهما للتشبه بحجاج بيت الله الحرام المحرمين ، والأولى أن يقال : المضحي يرى نفسه مستوجبة للعقاب وهو القتل ، ولم يؤذن فيه ففداها بالأضحية ، وصار كل جزء منها فداء كل جزء منه ، فلذلك نهي عن مس الشعر والبشر ; لئلا يفقد من ذلك قسط ما عند تنزل الرحمة ، وفيضان النور الإلهي ، ليتم له الفضائل ، ويتنزه عن النقائص . قال ابن حجر : ومن زعم أن المعنى هنا التشبه بالحجاج غلطوه بأنه يلزم عليه طلب الإمساك عن نحو الطيب ولا قائل به اهـ .

وهو غلط فاحش من قائله ; لأن التشبه لا يلزم من جميع الوجوه ، وقد وجه توجيها حسنا قي خصوص اجتناب قطع الشعر أو الظفر . قال المظهر : المراد بالبشر هنا الظفر . قال الطيبي : لعله ذهب إلى أن الروايتين دلتا عليه ، وإلا فالبشر ظاهر جلد الإنسان ، ويحتمل أن يراد ; لأنه قد يقشر من جلده شيئا إذا احتيج إلى تقشيره اهـ . وتبعه ابن حجر .

وأغرب ابن الملك حيث قال : أي : فلا يمس من شعر ما يضحي به ، وبشره أي ظفره وأراد به الظلف ، ثم قال : ذهب قوم إلى ظاهر الحديث ، فمنعوا من أخذ الشعر والظفر ما لم يذبح ، وكان مالك والشافعي يريان ذلك على الاستحباب ، ورخص فيه أبو حنيفة - رحمه الله - والأصحاب اهـ . وفي عبارته أنواع من الاستغراب .

والحاصل أن المسألة خلافية ، فالمستحب لمن قصد أن يضحي عند مالك والشافعي أن لا يحلق شعره ، ولا يقلم ظفره حتى يضحي ، فإن فعل كان مكروها . وقال أبو حنيفة : هو مباح ، ولا يكره ، ولا يستحب . وقال أحمد : بتحريمه كذا في رحمة الأمة في اختلاف الأئمة . وظاهر كلام شراح الحديث من الحنفية أنه يستحب عند أبي حنيفة فمعنى قوله : رخص . أن النهي للتنزيه فخلافه خلاف الأولى ، ولا كراهة فيه خلافا للشافعي .

( وفي رواية : فلا يأخذن ) : بنون التأكيد أي : لا يزيلن . ( شعرا ، ولا يقلمن ) : بكسر اللام مع فتح الياء وقيل بالتثقيل أي : لا يقطعن . ( ظفرا ) : بضمتين ويسكن . قال في القاموس : وبالكسر شاذ أي : لغة ; لأن سكون الثاني شاذ قراءة ، وقرأ به الحسن البصري في قوله تعالى : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر . ( وفي رواية : ومن رأى هلال ذي الحجة ) أي : أبصره أو علمه . ( وأراد أن يضحي ، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره . رواه مسلم ) .

[ ص: 1082 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية