صفحة جزء
1484 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال : خسفت الشمس ، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فزعا يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد ، فصلى بأطول قيام وركوع وسجود ، ما رأيته قط يفعله ، وقال : هذه الآيات التي يرسل الله ، لا تكون لموت أحد ولا لحياته ، ولكن يخوف الله بها عباده ، فإذا رأيتم شيئا من ذلك ، فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره . متفق عليه .


1484 - ( وعن أبي موسى قال : خسفت الشمس بالبناء للفاعل . ( فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فزعا ) أي : خائفا ، كان فزعه عند ظهور الآيات شفقا على أهل الأرض أن يأتيهم عذاب الله ، أو تعليما للأمة ليفزعوا عند ظهور الآيات ، أو لكونه أعلمهم بالله وأخوفهم منه ، وقد قال تعالى : وما نرسل بالآيات إلا تخويفا . ( يخشى ) : بالبناء للفاعل ، وقيل : للمفعول . وفي نسخة : نخشى بالنون أي : نخاف . ( أن تكون الساعة ) : بالنصب ، ويرفع نيابة . قال الطيبي : قالوا : هذا تخييل من الراوي ، وتمثيل كأنه قال : فزع فزعا كفزع من يخشى أن تكون الساعة ، وإلا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عالما بأن الساعة لا تقوم ، وهو بين أظهرهم ، وقد وعده الله تعالى النصر ، وإعلاء دينه ، وإنما كان [ ص: 1096 ] فزعه عند ظهور الآيات : كالخسوف ، والزلازل ، والريح ، والصواعق ; شفقا على أهل الأرض أن يأتيهم عذاب الله ، كما أتى من قبلهم من الأمم عن قيام الساعة .

قال المظهر : أخطأ الراوي حيث قال هذا ; لأن أبا موسى لم يكن عالما بما في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا الظن غير صواب ، فإن قيل : محتمل أن تكون هذه الواقعة قبل الإخبار بالنصر والظفر ، وحينئذ يتوقع الساعة كل لحظة . قلنا : ليس كذلك ; لأن إيمان أبي موسى كان بعد فتح خيبر ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر عن هذه الأشياء قبل فتح خيبر ، قيل : يجوز ذهول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأخبار بواسطة ما كوشف له من الأهوال ، ويجوز أن ينسب الذهول إلى الراوي بواسطة ما رأى من النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحالة يوم مات إبراهيم ، فظن بعض الناس أن انكساف الشمس لموت إبراهيم ، فلذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : آيتان من آيات الله . إلخ اهـ .

قال ميرك : هذه الاحتمالات على تقدير أن تكون الرواية في يخشى بصيغة المعروف الغائب ، ويجوز أن يقرأ يخشى بصيغة المجهول ، أو بصيغة المتكلم المعروف ، فإن ساعدت الرواية فلا إشكال ، والله أعلم بحقيقة الحال . ( فأتى المسجد ) أي : مسجد المدينة . قال ابن حجر : فيه رد للقول بأنها تصلى فرادى في البيوت اهـ . وهو مردود بما تقدم : أنهم أجمعوا على أن صلاة الكسوف تصلى بجماعة في الجامع . ( فصلى بأطول قيام ، وركوع وسجود ) : ظاهره عدم تعددهما في كل ركعة . ( ما رأيته قط يفعله ) أي : ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل مثله . ( وقال ) أي : بعد فراغه من صلاة الكسوف . ( هذه الآيات ) أي : كالكسوفين ، والزلازل ، والصواعق . ( التي يرسل الله ) أي : يظهرها لأهل الأرض ، فكأنه يرسلها إليهم . ( لا تكون لموت أحد ولا لحياته ) أي : لولادة أحد . ( ولكن يخوف الله بها ) أي : بالآيات . ( عباده ) : وفيه إشارة إلى رد ما يقوله أهل الهيئة من السبب المشهور عندهم ، وقد رد عليهم ابن العربي المالكي ، والسيف الآمدي ، وقال ابن دقيق العيد : وهذا لا ينافي ذكر الحساب أسبابا عادية للكسوفين ; لأن لله تعالى أفعالا تجري على العادات ، وأفعالا خارجة عنها ، وعند هذه يزداد خوف أهل المراقبة لقوة اعتقادهم في قدرة الله تعالى وفعله لما شاء ، ومن ثم كان - عليه الصلاة والسلام - عند اشتداد هبوب الرياح يتغير لونه ، ويدخل ويخرج خشية أن يكون كريح عاد ، وإن كان هبوبها موجودا . ( فإذا رأيتم شيئا من ذلك ) أي : مما ذكر من الآيات . ( فافزعوا ) أي : التجئوا من عذابه . ( إلى ذكره ) : ومنه الصلاة . ( ودعائه واستغفاره . متفق عليه ) : ورواه النسائي ، ذكره ميرك .

التالي السابق


الخدمات العلمية