صفحة جزء
[ 52 ] باب الاستسقاء

الفصل الأول

1497 - عن عبد الله بن زيد - رضي الله عنهما - قال : خرج رسول الله بالناس إلى المصلى يستسقي ، فصلى بهم ركعتين ، جهر فيهما بالقراءة ، واستقبل القبلة يدعو ، ورفع يديه ، وحول رداءه حين استقبل القبلة . متفق عليه .


[ 52 ] باب الاستسقاء

وفي نسخة صحيحة : باب صلاة الاستسقاء ، وهي في اللغة طلب السقيا ، وفي الشرع طلب السقيا للعباد من الله تعالى عند حاجتهم إليها بسبب قلة الأمطار ، أو عدم جري الأنهار . قال ابن الهمام : يخرجون للاستسقاء ثلاثة أيام ، ولم ينقل كثير منها ، متواضعين متخشعين في ثياب خلق مشاة يقدمون الصدقة كل يوم بعد التوبة إلى الله تعالى إلا في مكة وبيت المقدس ، فيجتمعون في المسجد . قال ابن حجر : وهو أنواع ثلاثة ثابتة بالأخبار الصحيحة ، أدناها مجرد الدعاء فرادى أو مع الاجتماع له ، روى أبو عوانة في صحيحه : أن قوما شكوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قحط المطر فقال : اجثوا على الركب ثم قولوا : يا رب ، يا رب . ففعلوا فسقوا ، وسيأتي أنه - عليه الصلاة والسلام - استسقى عند أحجار الزيت بالدعاء بلا صلاة . قال الشافعي : وأحسن هذا النوع ما كان من أهل الصلاح ، وأوسطها : الدعاء عقب الصلوات ولو نوافل ، وفي كل خطبة مشروعة ، وأعلاها : بالصلاة والخطبة كما يأتي ويندب تكرير الاستسقاء ; لأنه تعالى يحب الملحين في الدعاء ، والله أعلم .

[ ص: 1106 ] الفصل الأول

1497 - ( عن عبد الله بن زيد ) أي : ابن عاصم بن مازن الأنصاري ، لا عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي الذي رأى الأذان في المنام ، وهما مختلفان على ما في البخاري وشرحه . قال المؤلف : الأول شهد أحدا ولم يشهد بدرا ، وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب مشاركا وحشي بن الحارث في قتله ، والثاني : شهد العقبة وبدرا والمشاهد بعدها . وقال ابن الهمام : [ ووهم البخاري ابن عيينة ] في قوله : إنه عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، بل هو ابن زيد بن عاصم المازني . ( قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس ) أي : معهم . ( إلى المصلى ) أي : في المدينة . ( يستسقي ) : حال أو استئناف فيه معنى التعليل . ( فصلى بهم ركعتين ) قال المظهر : أبو حنيفة لا يرى في الاستسقاء صلاة بل يدعو له ، والشافعي يصلي كصلاة العيد ، ومالك يصلي ركعتين كسائر الصلوات ، وأما ما نقله ابن حجر من أن أبا حنيفة جعلها بدعة فخطأ فاحش ; لأنه لا يلزم من عدم جعلها سنة ، لكونه - صلى الله عليه وسلم - فعلها مرة وتركها أخرى ، أن تكون بدعة ، ثم قال ابن حجر من جهله وعدم اطلاعه وقلة معرفته بمرتبة المجتهدين ، سيما الإمام الأعظم ، والهمام الأقدم الذي قال الشافعي في حقه : الناس كلهم عيال أبي حنيفة في الفقه ، وكأنه لم تبلغه تلك الأحاديث مع كثرتها . ( جهر فيهما بالقراءة ) قال ابن الملك : فالسنة أن يصلي للاستسقاء بالجماعة كصلاة العيد ، وبه قال أبو يوسف ومحمد . قال في الهداية : قلنا : فعله مرة وتركه أخرى ، فلم يكن سنة . قال ابن الهمام : وإنما يكون سنة ما واظب عليه ، ولذا قال شيخ الإسلام : فيه دليل على الجواز عندنا . يعني : يجوز لو صلوا بجماعة ، لكن ليس بسنة ، وفي الكافي الذي هو جمع كلام محمد . قال : لا صلاة في الاستسقاء إنما فيه الدعاء ، بلغنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خرج ودعا . وبلغنا عن عمر أنه صعد المنبر فدعا واستسقى ، ولم يبلغنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك صلاة إلا حديث واحد شاذ لا يؤخذ به اهـ .

قال ابن الهمام : ووجه الشذوذ أن فعله - عليه الصلاة والسلام - لو كان ثابتا لاشتهر نقله اشتهارا واسعا ، ولفعله عمر حين استسقى ، ولأنكروا عليه إذا لم يفعل لأنها كانت بحضرة جميع الصحابة ; لتوفر الكل في الخروج معه - عليه الصلاة والسلام - للاستسقاء ، فلما لم يفعل ولم ينكروا ، ولم تشتهر روايتها في الصدر الأول ، بل هو عن ابن عباس ، وعبد الله بن زيد على اضطراب في كيفيتها ، عن ابن عباس وأنس : كان ذلك شذوذا فيما حضره الخاص والعام ، والصغير والكبير ، واعلم أن الشذوذ يراد باعتبار الطرق إليهم ، إذ لو تيقنا عن الصحابة المذكورين رفعه لم يبق إشكال اهـ .

قيل : الأفضل أن يقرأ في الأولى ب ( ق ) أو سبح وفي الثانية : باقترب أو الغاشية ، وقيل : الأفضل أن يقرأ في الثانية : إنا أرسلنا نوحا ; لأنها لائقة بالحال ، وفي حديث ضعيف : أنه قرأ في الأولى : الأعلى ، وفي الثانية : بالغاشية . ( واستقبل القبلة ) أي : بعد الصلاة . ( يدعو ) : حال . ( ورفع يديه ) أي : للدعاء . ( وحول رداءه حين استقبل القبلة ) قال المظهر : الغرض من التحويل التفاؤل بتحويل الحال يعني : حولنا أحوالنا رجاء أن يحول الله علينا العسر باليسر ، والجدب بالخصب ، وكيفية التحويل أن يأخذ بيده اليمنى الطرف الأسفل من جانب يساره ، وبيده اليسرى الطرف الأسفل أيضا من جانب يمينه ، ويقلب يديه خلف ظهره ، بحيث يكون الطرف المقبوض بيده اليمنى على كتفه الأعلى من جانب اليمين ، والطرف المقبوض بيده اليسرى على كتفه الأعلى من جانب اليسار ، [ ص: 1107 ] فإذا فعل ذلك فقد انقلب اليمين يسارا واليسار يمينا ، والأعلى أسفل وبالعكس ، وقال ابن الملك : إن كان مربعا يجعل أعلاه أسفله ، وإن كان مدورا كالجبة يجعل جانبه الأيمن على الأيسر . وقال في الهداية : وما رواه كان تفاؤلا . قال ابن الهمام : اعتراف بروايته ، ومنع استنانه ; لأنه فعل لأمر لا يرجع إلى مدى العبادة ، والله أعلم .

ثم قال : واعلم أن كون التحويل كان تفاؤلا جاء مصرحا به في المستدرك من حديث جابر وصححه ، قال : وحول رداءه ليتحول القحط . وفي طوالات الطبراني ، من حديث أنس : وقلب رداءه لكي يتقلص القحط إلى الخصب ، وفي مسند إسحاق : لتتحول السنة من الجدب إلى الخصب ، ذكره من قول وكيع . قال السهيلي : وطول ردائه - صلى الله عليه وسلم - أربعة أذرع ، وعرضه ذراعان وشبر . ( متفق عليه ) .

قال ابن الهمام : أخرجه الستة ، وزاد البخاري فيه : جهر فيهما بالقراءة ، وليس هذا عند مسلم . وأما ما رواه الحاكم عن ابن عباس وصححه ، وقال فيه : فصلى ركعتين كبر في الأولى سبعة تكبيرات ، وقرأ : سبح اسم ربك الأعلى وقرأ في الثانية : هل أتاك حديث الغاشية ، وكبر فيها خمس تكبيرات ، فليس بصحيح ، كما زعم ، بل هو ضعيف معارض ، أما ضعفه فبمحمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف . قال البخاري : منكر الحديث ، والنسائي : متروك ، وأبو حاتم : ضعيف الحديث ، ليس له حديث مستقيم ، وأما المعارضة فيما أخرجه الطبراني في الأوسط ، عن أنس : أنه - عليه الصلاة والسلام - استسقى ، فخطب قبل الصلاة ، واستقبل القبلة ، وحول رداءه ، ثم نزل فصلى ركعتين لم يكبر فيهما إلا تكبيرة . وأخرج أيضا عن ابن عباس قال : لم يزد - عليه الصلاة والسلام - على ركعتين مثل صلاة الصبح اهـ . وله يظهر بطلان قول ابن حجر : يؤخذ من هذا الحديث أنها كالعيد ، وقد صح أنه - عليه الصلاة والسلام - صلى ركعتين كما تصلى العيد ، وبه يرد قول مالك : إنها كبقية الصلوات ، وليست كالعيد اهـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية