صفحة جزء
146 - وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فخطب فحمد الله ، ثم قال : " ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ؟ ! فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية " . متفق عليه .


146 - ( وعن عائشة ) : رضي الله عنها ( قالت : صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ) ، أي : من المباحات . قال الراغب : الصنع إجادة الفعل فكل صنع فعل ولا ينعكس ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب إليها الفعل ( فرخص ) ، أي : للناس فيه ، أي : في ذلك الصنع أو من أجله ( فتنزه عنه ) ، أي : عن ذلك الصنع ( قوم ) ولم يفعلوا ذلك الصنع ظنا منهم أن فعله ينافي في الكمال ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما فعله لبيان الجواز . قال الشيخ : لم أعرف أعيان القوم المشار إليهم : ولا الشيء الذي ترخص فيه ، وأومأ ابن بطال إلى أنه القبلة للصائم ، وقيل : الفطر في السفر كذا ذكره الأبهري ، والأظهر أن القوم هم المذكورون فيما تقدم والشيء المرخص ما ذكر فيما سبق ( فبلغ ذلك ) ، أي : تنزههم ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخطب ) ، أي : أراد أن يخطب كذا قاله الطيبي ، ويمكن أن يكون قوله ( فحمد الله ) : إلخ تفسيرا لما قبله ( ثم قال ) ، أي : في أثناء خطبته ، أو بعد فراغها معرضا لا مصرحا سترا على الفاعل ورحمة به ( ما بال أقوام ) : استفهام إنكاري . بمعنى التوبيخ ، أي : ما حالهم ( يتنزهون ) : صفة أقوام وقع موقع الحال نحو : ما لك قائما وكقوله تعالى : ما لكم لا ترجون لله وقارا ، أي : يتباعدون ويحترزون ( عن الشيء ) : من النوم بالليل والأكل بالنهار والتزوج بالنساء ، كذا قال ابن الملك ( أصنعه ؟ ! ) : حال من الشيء ، وأل فيه للعهد الذكري السابق في قوله شيئا وقيل : اللام في الشيء للجنس وأصنعه صفته ( فوالله إني لأعلمهم بالله ) : قال المظهر ، أي : فإن احترزوا عنه لخوف عذاب الله فأنا أعلم بقدر عذاب الله فأنا أولى بالاحتراز ( وأشدهم له خشية ) : إشارة إلى القوة العملية ، وقدم العلم على الخشية لأنها نتيجته ، ولذا قال تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) قال الطيبي : هذا أبلغ من أخشاهم على الأصل فإنه ( عدل عنه وجعل أشد ، ثم فسر بخشية ليدل على أن الأشد نفسه خشية ) ( متفق عليه ) .

[ ص: 230 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية