صفحة جزء
1557 - وعن علي بن زيد ، عن أمية : أنها سألت عائشة - رضي الله عنها - عن قول الله - عز وجل - : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ، وعن قوله : من يعمل سوءا يجز به " ، فقالت : ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة ، حتى البضاعة يضعها في يد قميصه ، فيفقدها ، فيفزع لها ، حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه ، كما يخرج التبر الأحمر من الكير " . رواه الترمذي .


1557 - ( وعن علي بن زيد ، عن أمية ) : بالتصغير قال السيد : اسم امرأة والد علي بن زيد ، وليس بأمه ، قاله في التقريب ، فما وقع في بعض نسخ الترمذي عن أمه خطأ إلا أن يحمل على المسامحة أو المجاز . ( أنها سألت عائشة من قول الله - عز وجل - : إن تبدوا : كذا بلا واو قبل إن أي : إن تظهروا : ما في أنفسكم ) أي : في قلوبكم من السوء بالقول أو الفعل . ( أو تخفوه ) أي : تضمروه مع الإصرار عليه إذ لا عبرة بخطور الخواطر . ( يحاسبكم به الله ) أي : يجازيكم بسركم وعلنكم ، أو يخبركم بما أسررتم وما أعلنتم . ( وعن قوله ) أي : تعالى : ( من يعمل ) أي : ظاهرا وباطنا . ( سوء ) أي : صغيرا أو كبيرا . ( يجز به ) أي : في الدنيا أو العقبى إلا ما شاء من شاء . ( فقالت ) أي : عائشة . ( ما سألني عنها ) أي : عن هذه المسألة . ( أحد منذ سألت رسول الله - ) صلى الله عليه وسلم - أي : عنها . ( فقال : " هذه ) إشارة إلى مفهوم الآيتين [ ص: 1138 ] المسئول عنهما أي : محاسبة العباد أو مجازاتهم بما يبدون وما يخافون من الأعمال . ( معاتبة الله العبد ) أي : مؤاخذته العبد بما اقترف من الذنب . ( بما يصيبه ) أي : في الدنيا ، وهو صلة معاتبة ، ويصح كون الباء سببية . ( من الحمى ) : وغيرها مؤاخذة المعاتب ، وإنما خصت الحمى بالذكر ; لأنها من أشد الأمراض وأخطرها . قال في المفاتيح : العتاب أن يظهر أحد الخليلين من نفسه الغضب على خليله لسوء أدب ظهر منه ، مع أن في قلبه محبته ، يعني : ليس معنى الآية أن يعذب الله المؤمنين بجميع ذنوبهم يوم القيامة ، بل معناها أنه يلحقهم بالجوع ، والعطش ، والمرض ، والحزن ، وغير ذلك من المكاره ، حتى إذا خرجوا من الدنيا صاروا مطهرين من الذنوب . قال الطيبـي : كأنها فهمت أن هذه مؤاخذة عقاب أخروي ; فأجابها بأنها مؤاخذة عتاب في الدنيا عناية ورحمة اهـ .

ولذلك لما شقت الآية الأولى على الصحابة وأزعجتهم نزل عقبها : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها كما أنه لما شق عليهم اتقوا الله حق تقاته وتفسيره - عليه الصلاة والسلام - لها بأن يذكر فلا ينسى ، ويطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ; نزل : فاتقوا الله ما استطعتم ووقع في المصابيح : هذه معاقبة الله بالقاف . قال زين العرب : إشارة إلى مفهوم الآية المسئول عنها . ويروى : معاتبة الله من العتاب أي : يؤاخذ الله معه أخذ العاتب . قال شارح الرواية : الأولى في جميع نسخ المصابيح ، وهي غير معروفة في الحديث ولا معنى لها . وقال ابن حجر : وروي : متابعة الله ، ومعناها صحيح خلافا لمن نازع فيه ، وأطال بما لا طائل تحته ، ولا شك أنه تصحيف وتحريف لعدم استناده إلى أصل أصلا ، ثم جعله بمعنى تبعه أي : طالبه تبعته غاية من البعد ، وأعرب حيث قال : ومن ذلك خبر : اتبعوا القرآن ، أي : اقتدوا به . ( والنكبة ) : بفتح النون أي : المحنة ، وما يصيب الإنسان من حوادث الدهر . ( حتى البضاعة ) : بالجر عطف على ما قبلها ، وبالرفع على الابتداء ، وهي بالكسر طائفة من مال الرجال . ( يضعها في يد قميصه ) أي : كمه ، سمي باسم ما يحمل فيه . ( فيفقدها ) أي : يتفقدها ويطلبها ، فلم يجدها لسقوطها ، أو أخذ سارق لها منه . ( فيفزع لها ) أي : يحزن لضياع البضاعة فيكون كفارة كذا قاله ابن الملك . وقال الطيبـي : يعني إذا وضع بضاعة في كمه ، ووهم أنها غابت فطلبها وفزع كفرت عنه ذنوبه ، وفيه من المبالغة ما لا يخفى . ( حتى ) أي : ولا يزال يكرر عليه تلك الأحوال ، حتى " ( إن العبد ) : بكسر الهمزة ، وفي نسخة بالفتح ، وأظهر العبد موضع ضميره إظهارا لكمال العبودية المقتضي للصبر والرضا بأحكام الربوبية . ( كما يخرج من ذنوبه ) : بسبب الابتلاء بالبلاء . ( كما يخرج التبر ) بالكسر أي : الذهب والفضة قبل أن يضربا دراهم ودنانير ، فإذا ضربا كانا عينا . ( الأحمر ) أي : الذهب يشوى في النار تشوية بالغة . ( من الكير ) : بكسر الكاف متعلق بيخرج . ( رواه الترمذي ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية