صفحة جزء
1604 - وعن عبد الله بن عمر قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي ، فقال : كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل ، وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك " . رواه البخاري .


1604 - ( وعن عبد الله بن عمر قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي ) وفي نسخة بتشديد الياء ، وأخذ المنكب للاهتمام والتنبيه . ( فقال : " كن في الدنيا كأنك غريب ) أي : لا تمل إليها ; فإنك مسافر عنها إلى الآخرة ; فلا تتخذها وطنا ، ولا تألف مستلزماتها ، واعتزل عن الناس ومخالتطهم ; فإنك تفارقهم ، وألزم يدك اللازم ، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها ، ولا تتعلق بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه ، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله ووطنه ، وأما حديث حب الوطن من الإيمان فموضوع ، وإن كان معناه [ ص: 1159 ] صحيحا ، لا سيما إذا حمل على أن المراد بالوطن الجنة ، فإنها المسكن الأول . ( أو عابر سبيل ) أو فيه للتخيير والإباحة ، والأحسن أن تكون بمعنى بل ، شبه - صلى الله عليه وسلم - الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه ، ثم ترقى وأضرب عنه بقوله : " أو عابر سبيل " لأن الغريب قد يسكن في بلاد الغربة ، ويقيم فيها بخلاف عابر السبيل القاصد للبلد الشاسع . ( وكان ابن عمر يقول ) مخاطبة لنفسه أو لغيره . ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ) أي : ليكن الموت في إمسائك وإصباحك نصب عينك ، مقصرا للأمل ، مبادرا للعمل ، غير مؤخر عمل الليل إلى النهار ، وعمل النهار إلى الليل ، والظاهر أن هذا وما بعده من كلام ابن عمر موقوفا ، لكن ذكره في الإحياء مرفوعا . قال ابن حجر : وهذا معنى قوله في رواية أخرى : " وعد نفسك من أهل القبور اهـ . وظاهر كلامه أن قوله : " وعد من كلامه موقوفا وليس كذلك ; لأن السيوطي في الجامع الصغير قال : " كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل " . رواه البخاري عن ابن عمر ، وزاد أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه : " وعد نفسك من أهل القبول . ( وخذ من صحتك لمرضك ) قال الطيبـي : أي : عمرك لا يخلو من صحة ومرض ، ففي الصحة سيرك القصد ، بل لا تقنع به وزد عليه ما عسى أن يحصل لك الفتور عنه ، بسبب المرض وفي قوله : ( ومن حياتك لموتك ) إشارة إلى أخذ نصيب الموت ، وما يحصل فيه من الفتور من السقم يعني لا تقعد في المرض عن السير كل القعود ، بل ما أمكنك منه فاجتهد فيه حتى تنتهي إلى لقاء الله تعالى . ( رواه البخاري ) قال ميرك : ورواه الترمذي والنسائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية