صفحة جزء
1618 - وعنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيرا منها ، إلا أخلف الله له خيرا منها ، فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ، أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه مسلم .


1618 - ( وعنها ) أي : عن أم سلمة . ( قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من مسلم تصيبه ) بالتأنيث وفي نسخة بالتذكير . ( مصيبة ) عظيمة أو صغيرة من أمر مكروه . ( فيقول : ما أمره الله به إنا ) بدل من ما أي : إن ذواتنا وجميع ما ينسب إلينا . ( لله ) ملكا وخلقا . ( وإنا إليه راجعون ) قال الطيبـي : فإن قلت : أين الأمر في الآية ؟ قلت : لما أمره بالبشارة وأطلقها ليعم كل مبشر به ، وأخرجه مخرج الخطاب ليعم كل أحد ، نبه على تفخيم الأمر ، وتعظيم شأن هذا القول ، فنبه بذلك على كون القول مطلوبا وليس الأمر إلا طلب الفعل ، وذلك أن قوله : إنا لله تسليم وإقرار ، بأنه وما يملكه وما ينسب إليه عارية مستردة ، ومنه البدء وإليه الرجوع والمنتهى ، وإذا وطن نفسه على ذلك وصبر على ما [ ص: 1167 ] أصابه ، سهلت عليه المصيبة ، وأما التلفظ بذلك مع الجزع فقبيح ، وسخط للقضاء اهـ . والأقرب أن كل ما مدح الله في كتابه من خصلة يتضمن الأمر بها كما أن المذمومة فيه تقتضي النهي عنها ، وأما قوله : التلفظ بذلك مع الجزع قبيح فمردود ; لأن ذلك من باب خلط العمل الصالح بالعمل السوء كالاستغفار مع الإصرار قال تعالى : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم . ( اللهم ) ظاهره أنه من جملة ما أمره الله به ، قال ابن حجر : وهو كذلك لقوله تعالى : ادعوني أستجب لكم وفيه أن المأمور به في الآية مطلق الدعاء ، وفي الحديث الدعاء الخاص ، فالأظهر أن حرف العطف محذوف . قالابن حجر : ويحتمل بل هو الظاهر أن الله تعالى أعلم - صلى الله عليه وسلم - أن يعلم أمته أنه أمرهم أن يقولوا ذلك كله بخصوصه ، وحينئذ فلا يحتاج إلى تكلف ما ذكر فيهما اهـ . والاحتمال مسلم والظاهر ممنوع . ( آجرني ) بسكون الهمز وضم الجيم وبالمد وكسر الجيم . ( في مصيبتي ) الظاهر أن في بمعنى باء السببية ، وأما قول ابن حجر : إنها بمعنى مع كما في قوله تعالى : ادخلوا في أمم فغير صحيح كما لا يخفى . قال الطيبـي : أجره يؤجره إذا أثابه وأعطاه الأجر ، وكذلك آجره يأجره اهـ . قال ابن حجر : بضم الجيم وكسرها يعني مجرده بالوجهين ، وهو كذلك في القاموس ، وكذلك قال الزين : آجره الله يأجره ويأجره أثابه وأعطاه الأجر لكن الكسر مع القصر غير موجود في النسخ . قال ميرك : روي بالمد وكسر الجيم ، وبالقصر وضمها ، ونقل القاضي عياض عن أكثر أهل اللغة أنه مقصور لا يمد ومعنى أجره الله أعطاه أجره وجزاء صبره اهـ . وقال ابن الملك : هو بهمز الوصل . قلت : هذا سهو منه ; لأن الهمزة الموجودة إنما هي فاء الفعل ، وهمزة الوصل سقطت في الدرج . ( واخلف لي خيرا منها ) أي : اجعل لي خلفا مما فات عني في هذه المصيبة . ( إلا أخلف الله له خيرا منها ) قاله الطيبـي ، قال النووي : هو بقطع الهمزة وكسر اللام يقال : لمن ذهب ما لا يتوقع حصول مثله بأن ذهب والده خلف الله عليك منه بغير ألف أي : كان الله خليفة منه عليك ، ويقال لمن ذهب له مال أو ولد أو ما يتوقع حصول مثله : أخلف الله عليك ، أي : رد الله عليك مثله . ( فلما مات أبو سلمة ) تعني زوجها : عبد الله بن عبد الأسد المخزومي توفي سنة أربع على الأصح لانتفاض جرحه الذي جرح بأحد ، وهو من السابقين الأولين ، أسلم بعد عشرة أنفس . ( قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ ) قال الطيبـي : تعجب من تنزيل قوله - صلى الله عليه وسلم - : إلا أخلف الله له خيرا منها على مصيبتها فيه تأييد لما قال أبو نعيم : إنه أول من هاجر إلى المدينة ، وذكره أصحاب المغازي فيمن هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة ، فهو أول من هاجر بالظعينة إلى أرض الحبشة ، ثم إلى المدينة ، وكان أخا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ، وابن عمته ، استعظاما لأبي سلمة اهـ . يعني على زعمها . ( أول بيت ) استئناف فيه بيان للتعجب وتعليل له ، والتقدير فإنه أول بيت أي : أول أهل بيت . ( هاجر ) أي : مع عياله . ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) - بناء على المتابعة . ( ثم أني قلتها ) أي : كلمة الاسترجاع ، والدعاء المذكور بعدها . ( فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) - أي : بأن جعلني زوجته ، وكان عوض خير لي من زوجي أبي سلمة . ( رواه مسلم ) وأبو داود ، والنسائي ، قاله ميرك .

التالي السابق


الخدمات العلمية