صفحة جزء
[ ص: 1184 ] باب غسل الميت وتكفينه

الفصل الأول

1634 - عن أم عطية قالت : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فقال : " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ، بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني " . فلما فرغنا آذناه ، فألقى إلينا حقوه ، فقال : أشعرنها إياه " وفي رواية : " اغسلنها وترا : ثلاثا أو خمسا أو سبعا ، وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " وقالت : فضفرنا شعرها ثلاثة قرون ، فألقيناها خلفها . متفق عليه .


باب غسل الميت وتكفينه أي : آدابهما .

الفصل الأول

1634 - ( عن أم عطية ) : اسمها نسيبة بضم النون وفتح السين المهملة وسكون الياء وفتح الباء الموحدة ، بنت كعب ، وقيل : بنت الحارث الأنصارية ، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ، فتمرض المرضى ، وتداوي الجرحى ، ذكره المؤلف . ( قالت : دخل علينا ) أي : معشر النساء . ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته ) قيل : هي زوجة أبي العاص بن الربيع ، أكبر أولاده عليه الصلاة والسلام ، توفيت سنة ثمان من الهجرة ، وقيل : أم كلثوم زوجة عثمان ، توفيت سنة تسع من الهجرة ، وسيأتي تحقيق ذلك في آخر هذا الفصل . ( فقال : " اغسلنها ثلاثا أو خمسا ) " : وفي رواية كما سيأتي : " أو سبعا " ، " أو فيه " للترتيب دون التخيير ، إذ لو حصل النقاء بالأول استحب التثليث ، وكره التجاوز عنه ، وإن حصل بالثانية أو بالثالثة استحب التخميس ، وإلا فالتسبيع ، كذا ذكره القاضي وابن الملك وغيرهما . قال زين العرب : أقول : فيه نظر لأن " أو " هنا تدل على التخيير بين أحد الأمور المذكورة ، وما ذكره الشارح مستفاد من خارج عن الأمر بأحد الأمور ، وذلك ) لا ينفي التخيير . ( " أو أكثر من ذلك ) " بكسر الكاف خطاب لمن يتلقى الكلام عنه ، وفي نسخة بفتح الكاف على أن المراد خطاب العام ، أو نزلت أم عطية منزلة الرجل في قيامها بهذا الأمر . ( إن رأيتن ذلك أي : الأكثر . قال الطيبي : خطاب لأم عطية ، ورأيت من الرأي أي : إن احتجتن إلى أكثر من ثلاث أو خمس للإنقاء لا للتشهي فافعلنه اهـ . وقوله : خطاب لأم عطية الظاهر أنه أراد الخطاب في ذلك ; لأن رأيتن خطاب للنساء ، فيكون من قبيل قوله : ذلك يوعظ به من كان منكم ، فإنها كانت رئيستهم ، فخصت بالخطاب أولا ، ثم عممن ، ويمكن أن يكون الخطاب في رأيتن أيضا لها إما على التعظيم أو تنزيلا منزلة الجماعة ، حيث مدار رأيهن على رأيها ، والله أعلم .

( بماء وسدر ) : متعلق باغسلنها . قال القاضي : هذا لا يقتضي استعمال السدر في جميع الغسلات ، والمستحب استعماله في الكرة الأولى ليزيل الأقذار ، ويمنع عنه تسارع الفساد ، ويدفع الهوام . قال ابن الهمام : الحديث يفيد أن المطلوب المبالغة في التنظيف لا أصل التطهير ، وإلا فالماء كاف فيه ، ولا شك أن تسخين الماء كذلك بما يريد في تحقيق المطلوب ، فكان مطلوبا شرعيا ، وعند الشافعي ، لا يغلى ، قيل : يبدأ بالقراح أولا ليبتل ما عليه من الدرن بالماء أولا ، فيتم قلعه بالماء والسدر ، ثم يحصل تطيب البدن بعد النظافة بماء الكافور ، والأولى أن يغسل بالسدر كما هو ظاهر كتاب الهداية . وأخرج أبو داود عن ابن سيرين : أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية ، يغسل بالسدر مرتين ، والثالث بالماء والكافور ، وسنده صحيح .

( واجعلن في الآخرة ) أي : المرة الآخرة . ( كافورا أو شيئا ) : شك من الراوي . ( من كافور ) : وهو لدفع الهوام . ( فإذا فرغتن ) أي : من غسلها . ( فآذنني ) : بالمد وكسر الذال وتشديد النون الأولى ، أمر لجماعة النساء من الإيذان وهو الإعلام ، والنون الأولى أصلية ساكنة ، والثانية ضمير فاعل ، وهي مفتوحة ، والثالثة للوقاية ، نقله ميرك عن الأزهار ، ويجوز فيه إسكان الهمز وفتح الذال ، لكن لم نجده في نسخة . ( فلما فرغنا آذناه ) : بالمد أي : أعلمناه بالفراغ . ( فألقى إلينا حقوه ) : في النهاية : أي : إزاره المشدود به خصره ، والحقو : في الأصل معقد الإزار ، ثم سمي به الإزار لمجاورته . ( فقال : أشعرنها ) أي : الميتة . ( إياه ) أي : الحقو ، والخطاب للغاسلات . في النهاية : أي : اجعلنه شعارها ، والشعار الثوب الذي يلي الجسد لأنه يلي شعره . قال الطيبي : أي : اجعلن هذا الحقو تحت الأكفان بحيث يلاصق بشرتها ، والمراد إيصال البركة إليها . وفي رواية : " اغسلنها وترا : ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا " وظاهر الحديث أنه لا يزاد على السبع لأنه نهاية ما ورد في عدد التطهير ، وأما قول ابن حجر : أو تسعا وهكذا ، واقتصر على السبع ; لأن الغالب النقاء بها بل بدونها فمحل بحث . ( وابدأن بميامنها ) أي : من اليد والجنب والرجل . ( ومواضع الوضوء منها ) والواو لمطلق الجمع ، فيقدم مواضع الوضوء المفروضة فلا مضمضة ولا استنشاق عندنا . قال ابن الهمام : واستحب بعض العلماء أن يلف الغاسل على أصبعه خرقة يمسح بها أسنانه ، ولهاته ، وشفتيه ، ومنخريه ، وعليه عمل الناس اليوم ، والمختار أن يمسح رأسه ولا يؤخر غسل رجليه من الغسل ، ولا يقدم غسل يديه ، بل يبدأ بوجهه بخلاف الجنب ; لأنه يتطهر بهما ، والميت يغسل بيد غيره . ( وقالت ) : أم عطية في جملة حديثها . ( فضفرنا ) : بالتخفيف . ( شعرها ) : بفتح العين وتسكن ، والضفر : فتل الشعر . قال الطيبي : من الضفيرة ، وهي النسج ، ومنه ضفر الشعر وإدخال بعضه في بعض . ( ثلاثة قرون ) : قال ابن الملك : أي : أقسام . قال الطيبي : لعل المراد بفتل شعرها ثلاثة قرون مراعاة عادة النساء في ذلك الوقت ، أو مراعاة سنة عدد الوتر كسائر الأفعال . ( فألقيناها ) أي : الضفائر . ( خلفها ) أي : وراء ظهرها اهـ . وفي رواية : فضفرنا ناصيتها وقرنها ثلاثة قرون ، وفي أخرى : فمشطناها ثلاثة قرون ، وهو بالتخفيف أيضا ، ذكر في اختلاف الأئمة : أن أبا حنيفة قال : تترك على حالها من غير تضفير . ( متفق عليه ) إلا قولها : فألقيناها خلفها ، فإنه للبخاري فقط ، والحديث رواه الأربعة أيضا ، قاله ميرك .

التالي السابق


الخدمات العلمية