صفحة جزء
[ ص: 1185 ] 1635 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية ، من كرسف ، ليس فيها قميص ولا عمامة . متفق عليه .


1635 - ( وعن عائشة قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية ) : بتخفيف الياء . ( بيض سحولية ) : بفتح السين ويضم . قال ابن الهمام : فتح السين هو المشهور ، وعن الأزهري الضم قرية باليمن ، وقال النووي : الفتح أشهر ، وهو رواية الأكثر . في الفائق : يروى بفتح السين وضمها ، بالفتح منسوب إلى سحول وهو القصار ; لأنه يسحلها أي : يغسلها ، أو إلى سحول وهي قرية باليمن ، وأما بالضم وهو جمع سحل ، فهو الثوب الأبيض النقي ، ولا يكون إلا من قطن ، وفيه شذوذ لأنه نسب إلى الجمع ، وقيل : اسم قرية بالضم أيضا . ( من كرسف ) : بضم الكاف والسين أي : من قطن . ( ليس فيها قميص ولا عمامة ) .

قال في المواهب : الصحيح أن معناه ليس في الكفن قميص أصلا ، وقيل : إنه كفن في ثلاثة أثواب خارج عن القميص والعمامة ، وترتب على هذا اختلافهم في أنه هل يستحب أن يكون في الكفن قميص وعمامة أم لا ؟ فقال مالك ، والشافعي ، وأحمد : يستحب أن تكون الثلاثة لفائف ليس فيها قميص ولا عمامة . وقال الحنفية : الأثواب الثلاثة : إزار ، وقميص ، ولفافة اهـ .

واستحب بعضهم العمامة . وقال النووي : قال أبو حنيفة ، ومالك : يستحب قميص وعمامة ، والمعنى ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة ، وإنهما زائدان ، فليس بمعنى سوى ، وهو ضعيف ، إذ لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كفن في قميص وعمامة . قلت : ولم يثبت أنه ما كفن فيهما أيضا ، فالمسألة متنازع فيها ، وهذا الحديث محتمل ، مع أن نسبة هذا القول إلى أبي حنيفة غير صحيح على إطلاقه ، فإنما استحسن العمامة بعض مشايخنا . قال أي النووي : وفي الحديث دليل على أن القميص الذي غسل فيه النبي صلى الله عليه وسلم نزع عنه عند تكفينه ; لأنه لو لم ينزع لأفسد الأكفان لرطوبته . أقول : ليس في الحديث دليل ، بل الدليل أمر عقلي خارج عن الحديث .

قال ابن الهمام : فإن حمل على أن المراد أن ليس القميص من هذه الثلاثة ، بل خارج عنها كما قال مالك ، لزم كون السنة أربعة أثواب ، وهو مردود بما في البخاري عن أبي بكر قال لعائشة : في كم ثوب كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : في ثلاثة أثواب ، وإن عورض بما رواه ابن عدي في الكامل ، عن جابر بن سمرة قال : كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب : قميص ، وإزار ، ولفافة ، فهو ضعيف ، وما رواه محمد بن الحسن ، عن أبي حنيفة ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم النخعي : أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في حلة يمانية وقميص . مرسل ، والمرسل وإن كان حجة عندنا لكن ما وجه تقديمه على حديث عائشة ، فإن أمكن أن يعادل حديث عائشة بحديث القميص بسبب تعدد طرقه ، منها : الطريقان اللذان ذكرنا . وما أخرج عبد الرزاق عن الحسن البصري نحوه مرسلا ، وما روى أبو داود ، عن أبي عباس قال : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب : قميصه الذي مات فيه ، وحلة نجرانية ، وهو مضعف بيزيد بن زياد ، ثم يرجح بعد المعادلة بأن الحال في تكفينه أكشف للرجال ثم البحث ، وإلا ففيه تأمل ، وقد ذكروا أنه عليه الصلاة والسلام غسل في قميصه الذي توفي فيه ، فكيف يلبسونه الأكفان فوقه وفيه بللها ، والله سبحانه أعلم .

أقول : ويمكن أن يقال بتعدد قميصه عليه الصلاة والسلام ففسخ أحدهما عند الغسل ، وغسل بالآخر ، ثم كفن في اليابس ، ويؤيده ما سيأتي : أنه عليه الصلاة والسلام جعل قميصه كفنا لعبد الله بن أبي . قال : والحلة في عرفهم مجموع ثوبين : إزار ورداء ، وليس في الكفن عمامة عندنا ، واستحسنها بعضهم لما روي عن ابن عمر : أنه كان يعممه ويجعل العذبة على وجهه . ( متفق عليه ) قال ابن الهمام : رواه أصحاب الكتب الستة .

التالي السابق


الخدمات العلمية