صفحة جزء
[ ص: 1186 ] 1637 - وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : إن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو محرم فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تمسوه بطيب ، ولا تخمروا رأسه ; فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا . متفق عليه . وسنذكر حديث خباب : قتل مصعب بن عمير في " باب جامع المناقب " إن شاء الله تعالى .


1637 - ( وعن عبد الله بن عباس قال : إن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وقصته ناقته ) : الوقص : كسر العنق أي : أسقطته فاندق عنقه . ( وهو محرم فمات ) : قال الحافظ ابن حجر : يعني العسقلاني ، وكان وقوع المحرم المذكور عند الصخرات من عرفة ، ذكره في المواهب . ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ) " : وفي لفظ : في ثوبين ، وكذا في نسخة أي : إزاره وردائه اللذين لبسهما في الإحرام ، استدل به على أن كفن الكفاية ثوبان . قال ابن الهمام : كفن الكفاية أقل ما يجوز عند الاختيار ، وفي حال الضرورة بحسب ما يوجد اهـ .

وحمل الحديث على حال الضرورة خلاف الظاهر . قال صاحب الهداية : وإن اقتصر على ثوبين جاز . قال ابن الهمام : لما روى عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال أبو بكر لثوبيه اللذين كان يمرض فيهما : اغسلوهما وكفنوني فيهما . فقالت عائشة : ألا نشتري لك جديدا ؟ قال : لا . الحي أحوج إلى الجديد من الميت . وزاد في رواية : إنما هو للمهلة وهي بتثليث الميم صديد الميت ، وفي الفروع الغسيل والجديد سواء في الكفن ، ذكره في التحفة .

ثم قال ابن الهمام : عند قول صاحب الهداية ، والإزار من القرن إلى القدم ، واللفافة كذلك : لا إشكال أن اللفافة من القرن إلى القدم ، وأما كون الإزار كذلك ، فلا أعلم وجه مخالفة إزار الميت إزار الحي من السنة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في ذلك المحرم : كفنوه في ثوبيه " . وهما ثوبا إحرامه : إزاره ورداؤه ، ومعلوم أن إزاره من الحقو ، وكذا حديث أم عطية ، وقيل : الصواب ليلى بنت قائف ، قالت : كنت فيمن يغسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أول ما أعطانا الحقاء ، ثم الدرع ، ثم الخمار ، ثم الملحفة ، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر . رواه أبو داود ، وروي حقوه في حديث غسل زينب ، وهذا ظاهر في أن إزار الميت كإزار الحي من الحقو ، فيجب كونه في المذكر كذلك لعدم الفرق في هذا ، وقد حسنه النووي ، وإن أعله ابن القطان لجهالة بعض الرواة ، وفيه نظر ، إذ لا مانع من حضور أم عطية غسل أم كلثوم بعد زينب ، وقول المنذري : أم كلثوم توفيت وهو صلى الله عليه وسلم غائب ، معارض بقول ابن الأثير في كتاب الصحابة : أنها ماتت سنة تسع بعد زينب بسنة ، وصلى عليها عليه الصلاة والسلام ، ويشده ما روى ابن ماجه عن أم عطية قالت : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته أم كلثوم فقال : " اغسلنها " الحديث كما ذكر في أول الباب ، وهذا سند صحيح ، وما في مسلم من قوله : مثل ذلك في زينب لا ينافيه لما قلنا آنفا . ( ولا تمسوه ) : من المس ، وروي من الإمساس . ( بطيب ) قال ميرك : كذا في جميع النسخ الحاضرة ، وفي أصل سماعنا بفتح المثناة الفوقانية ، وبفتح الميم من الثلاثي المجرد ، لكن قال الشيخ ابن حجر في شرح صحيح البخاري : بضم أوله وكسر الميم من أمس اهـ . وفي القاموس : مسته بالكسر أمسه ومسسته كنصرته . ( ولا تخمروا ) : بالتشديد أي : لا تغطوا ولا تستروا . ( رأسه ) : قال المظهر : ذهب الشافعي ، وأحمد : أن المحرم يكفن بلباس إحرامه ، ولا يستر رأسه ، ولا يمس طيبا . ( فإنه يبعث ) أي : يحشر . ( يوم القيامة ملبيا ) أي : قائلا : لبيك اللهم لبيك ; ليعلم الناس أنه مات محرما . قال : ومذهب أبي حنيفة ومالك : أن حكمه حكم سائر الموتى . ( متفق عليه ) قال ميرك : ورواه الأربعة .

( وسنذكر حديث خباب ) : بتشديد الموحدة . ( قتل ) : قال الطيبي : مجهول حكاية ما في الحديث بدل من قوله حديث خباب ، أي : سنذكر هذا اللفظ : وهو قتل . ( مصعب بن عمير ) أي : إلى آخره ( في : " باب جامع المناقب " إن شاء الله تعالى ) : هذا اعتذار قولي ، واعتراض فعلي على صاحب المصابيح ، زعما من المؤلف أن حديث خباب أليق بذلك الباب ، مع أنه ليس كذلك ، ومن المقرر أن تغيير التصنيف خلاف الصواب ، وها أنا أذكر الحديث على ما في الكتاب . قال خباب بن الأرت : قتل مصعب بن عمير يوم أحد ، فلم نجد شيئا نكفنه فيه إلا نمرة ، وهي بفتح النون وكسر الميم : شملة مخططة بخطوط بيض في سود ، كنا إذا غطينا أي : سترنا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا بها رجليه خرج رأسه ، فقال عليه الصلاة والسلام : " ضعوها بما يلي أي : يقرب رأسه ، واجعلوا على رجليه الإذخر " اهـ . وهذا كحديثه عن حمزة فيما تقدم ، وهما دليلان على أن كفن الضرورة ثوب واحد ، وعلى أن ستر جميع الميت واجب .

التالي السابق


الخدمات العلمية