صفحة جزء
1655 - وعن عوف بن مالك قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة ، فحفظت من دعائه وهو يقول : اللهم اغفر له ، وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره .

وفي رواية : وقه فتنة القبر وعذاب النار . قال : حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت . رواه مسلم .


1655 - ( وعن عوف بن مالك قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول ) : أي : بعد التكبيرة الثالثة ، وهذه الجملة لمجرد التأكيد ، أو لبيان أنه حفظ من دعائه بسماعه له منه لا عنه ، ولا ينافي هذا ما تقرر في الفقه من ندب الإسرار ; لأن الجهر هنا للتعليم لا غير . ( اللهم اغفر له ) بمحو السيئات . ( وارحمه ) بقبول الطاعات ، وهذا أحسن من قول ابن حجر : تأكيد أو أعم . ( وعافه ) أمر من المعافاة والهاء ضمير ، وقيل للسكت ، والمعنى خلصه من المكروهات . وقال الطيبي : أي : سلمه من العذاب والبلايا . ( واعف عنه ) أي : عما وقع منه من التقصيرات ، وأغرب ابن حجر فقال : عافه أي : سلمه من كل مؤذ ، واعف عنه تأكيد أو أخص أي : سلمه من خطر الذنوب . وفي النهاية : العفو والعافية والمعافاة متقاربة : فالعفو : محو الذنوب ، والعافية : أن يسلم من الأسقام والبلايا ، والمعافاة : وهي أن يعافيك الله من الناس ، ويعافيهم منك ، ويصرف أذاهم عنك ، وأذاك عنهم ذكره الطيبـي ، ولا يخفى أن ما ذكر في العافية والمعافاة من المعنى غير ملائم للميت ، بل ما ذكره في العافية لا يناسب الحي أيضا ; فإنه صلى الله عليه وسلم وأتباعه دعوا بالعافية ولم يسلموا من الأسقام والبلية بل أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، بل السلامة من الأسقام كانت عندهم من العيوب العظام ، فينبغي أن تحمل الأسقام على سيئ الأسقام : كالبرص ، والجنون ، والجذام ، أو المراد بالعافية ، أن لا يجزع في الآلام ، ويصبر ويشكر ، ويرضى بقضاء الملك العلام ، ويقوم بما يجب عليه من تكاليف الأحكام . ( وأكرم نزله ) بضم الزاي : ويسكن أي : رزقه ، وهو في الأصل ما يقدم من الطعام إلى الضيف أي : أحسن نصيبه من الجنة . ( ووسع مدخله ) بفتح الميم وضمها أي : قبره . قال ميرك : بفتح الميم كذا في المسموع من أفواه المشايخ ، والمضبوط في أصل سماعنا وضبطه الشيخ الجزري في مفتاح الحصن بضم الميم ، وكلاهما صحيح بحسب المعنى اهـ . لأن معناه مكان الدخول أو الإدخال وإنما اختار الشيخ الضم ; لأن الجمهور من القراء قرءوا بالضم في قوله تعالى : وندخلكم مدخلا كريما وانفرد الإمام نافع بالفتح والضم أيضا بحسب المعنى أنسب ; لأن دخوله ليس بنفسه بل بإدخال غيره . ( واغسله بالماء والثلج والبرد ) بفتحتين أي : طهر من الذنوب بأنواع المغفرة كما أن هذه الأشياء أنواع المطهرات من الدنس . ( ونقه ) بهاء الضمير أو السكت . ( من الخطايا ) تأكيد لما قبله . ( كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس ) بفتحتين أي : الوسخ ، تشبيه للمعقول بالمحسوس ، وهو تأكيد لما قبله على ما ذكره ابن حجر ، أو المراد بأحدهما الصغائر ، وبالآخر الكبائر ، أو المراد بأحدهما حق الله ، وبالآخر حق العباد . ( وأبدله ) أي : عوضه . ( دارا خيرا من داره وأهلا ) أي : خدما . ( خيرا من أهله ، وزوجا خيرا من زوجه ) [ ص: 1198 ] أي : من الحور العين ، ونساء الدنيا أيضا ، فلا يشكل أن نساء الدنيا يكن في الجنة أفضل من الحور ; لصلاتهن وصيامهن كما ورد في الحديث . وأما قول ابن حجر : وخير ليست على بابها من كونها أفعل تفضيل إذ لا خيرية في الدنيا بالنسبة للآخرة ، فليس على بابه إذ الكلام في النسبة الحقيقية لا في النسبة الإضافية ; قال تعالى : والآخرة خير وأبقى ، وقال عز وجل : والآخرة خير لمن اتقى . ( وأدخله الجنة ) أي : ابتداء . ( وأعذه ) أي : أجره . ( من عذاب القبر ، أو من عذاب النار ) ظاهره أنه شك من الراوي ، ويمكن أن يكون أو بمعنى الواو ، ويؤيده ما في نسخة بالواو . ( وفي رواية وقه ) بهاء الضمير أو السكت أي : احفظه . ( فتنة القبر ) أي : التحير في جواب الملكين المؤدي إلى عذاب القبر . ( وعذاب النار ، قال ) أي : عوف . ( حتى تمنيت أن أكون أنا ) تأكيد للضمير المتصل . ( ذلك الميت ) بالنصب على الخبرية . ( رواه مسلم ) قال ميرك : ورواه النسائي ، . قال ابن الهمام : ورواه الترمذي ، قال البخاري وغيره : وهذا الدعاء أصح شيء ورد في الدعاء على الميت .

التالي السابق


الخدمات العلمية