صفحة جزء
1662 - وعن أنس قال : مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت . ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا . فقال : وجبت . فقال عمر : ما وجبت . فقال : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار . أنتم شهداء الله في الأرض . متفق عليه . وفي رواية : المؤمنون شهداء الله في الأرض .


1662 - ( وعن أنس قال : مروا ) أي : الصحابة . ( بجنازة فأثنوا عليها ) أي : ذكروها بأوصاف حميدة وأخلاق سديدة فقوله : ( خيرا ) تأكيد أو دفع لما يتوهم من على . ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت ) أي : ثبتت له الجنة ، يعني على تقدير صحة ما أثنوا عليه أو إن كان مات عليه . ( ثم مروا بأخرى ، فأثنوا عليه شرا ) قال الطيبي : استعمال الثناء في الشر مشاكلة أو تهكم اهـ . ويمكن أن يكون أثنوا في الموضعين بمعنى وصفوا فيحتاج إلى القيد ففي القاموس : الثناء وصف بمدح أو ذم أو خاص بالمدح . قال النووي : فإن قيل : كيف مكنوا من الثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري في النهي عن سب الأموات . قلت : النهي إنما هو في حق غير المنافقين والكفار وغير المتظاهر فسقه وبدعته ، وأما هؤلاء فلا يحرم سبهم تحذيرا من طريقتهم اهـ .

وفي الفاسق والمبتدع الميتين ولو كانا متظاهرين بحث ; لأن جواز ذمهما حال حياتهما لكي ينزجرا أو يحترز الناس عنهما ، وأما بعد موتهما فلا فائدة فيه مع احتمال أنهما ماتا على التوبة ، ولهذا امتنع الجمهور من لعن نحو يزيد والحجاج ، وخصوص المبتدعة بأعيانهم ، هذا مع أنه ليس في الحديث ما يدل على سبهم ، فالأولى أن يعارض بقوله عليه الصلاة والسلام : لا تذكروا هلكاكم إلا بخير ، ويدفع بحمل المذمومين على الكفار والمنافقين . قال ابن الملك : ويحتمل أن يكون قبل ورود النهي . ( فقال : وجبت ) أي : حقت له النار ، يعني على تقدير الصحة والموت عليه . قال المظهر : هذا الحكم ليس عاما في كل شهد له جماعة بالخير والشر ، بل ترجى الجنة للأول ويخاف للثاني من النار ، وأما جزم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة والنار فبناء على أنه أطلعه الله على ذلك . ( فقال عمر : ما وجبت ؟ ) أي : ما المراد بقولك : وجبت في الموضوعين ؟ وأراد التصريح بما يعلم من قيام القرينة . ( فقال ) وفي نسخة صحيحة : قال . ( هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا ) أي : الآخر [ ص: 1202 ] ( أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار قال زين العرب : الثناء بالخير والشر غير موجب لجنة ولا نار ، بل ذلك علامة كونهما من أهلهما . قال الطيبي : لا ارتياب أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجبت بعد ثناء الصحابة رضي الله عنهم حكم عقب وصفا مناسبا ، وهو يشعر بالعلية ، وكذا الوصف بقوله : ( أنتم أي : أيها الصحابة ، أو أيها المؤمنون . ( شهداء الله في الأرض لأن الإضافة للتشريف ، وأنهم بمكان ومنزلة عالية عند الله ، وهو أيضا كالتزكية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ، وإظهار عدالتهم بعد أداء شهادتهم لصاحب الجنازة ، فينبغي أن يكون لها أثر ونفع في حقه ، وأن الله تعالى يقبل شهادتهم ويصدق ظنونهم في حق المثني عليه كرامة لهم ، وتفضلا عليهم كالدعاء والشفاعة ، فيوجب لهم الجنة والنار على سبيل الوعد والوعيد ; لأن وعده حق لا بد من وقوعه ، فهو كالواجب إذ لا أثر للعمل ولا الشهادة في الوجوب ، وإلى معنى الحديث يرمز قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا أي : جعلناكم عدولا خيار الشهود لتشهدوا على غيركم ، ويكون الرسول رقيبا عليكم ، ومزكيا لكم ، ويبين عدالتكم . وقال ابن الملك : قيل المستفاد من الحديث أن لشهادتهم مدخلا في نفعهم وإلا لم يكن للثناء فائدة ، ويؤيده ما روي : أنه عليه الصلاة والسلام قال : حين أثنوا على جنازة جاء جبريل وقال : يا محمد ، إن صاحبكم ليس كما يقولون : إنه كان يعلن كذا ويسر كذا ، ولكن الله صدقهم فيما يقولون : وغفر له ما لا يعلمون . قلت : وكان هذا نتيجة ستر الله عليه ، ولهذا نحن مأمورون بستر المعاصي ، والأظهر أن هذا أمر غالبي ، فإن الله تعالى ينطق الألسنة في حق كل إنسان بما يعلمه من سريرته التي لا يطلع عليها غيره ، ولذا قيل ألسنة الخلق أقلام الحق ، وليس المراد أن من خلق للجنة يصير للنار بقولهم ولا عكسه ، إذ قد يقع عليه الثناء بالخير أو الشر وفي باطن الأمر خلافه ، وإنما المراد أن الثناء علامة مطابقة للواقع غالبا ، والله أعلم . قال المظهر : ليس معنى قوله عليه الصلاة والسلام : أنتم شهداء الله . أن ما يقول الصحابة والمؤمنون في حق شخص من استحقاقه الجنة أو النار يكون كذلك ; لأن من يستحق الجنة لا يصير من أهل النار بقولهم ، ولا من يستحق النار يصير من أهل الجنة بقولهم . بل معناه أن الذي أثنوا عليه خيرا رأوا منه الصلاح والخيرات في حياته ، والخيرات والصلاح علامة كون الرجل من أهل الجنة ، والذي أثنوا عليه شرا رأوا منه الشر والفساد ، والشر والفساد من علامة النار ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقطع بكون أحد من أهل الجنة أو من أهل النار ، وإن شهد له جماعة كثيرة ، بل يرجى لمن شهد له بالخير ، ويخاف النار لمن شهد له جماعة بالشر . ( متفق عليه قال ميرك : واللفظ للبخاري ، وروى أبو داود ، والنسائي نحوه ، من حديث أبي هريرة .

( وفي رواية المؤمنون يحتمل أن تكون اللام للعهد ، والمراد بهم الصحابة فيوافق ما سبق من قوله : أنتم ، ويحتمل أن تكون للجنس والخطاب في أنتم للأمة الموجودين أولا ، واللاحقين آخرا . ( شهداء الله الإضافة تشريفية ومشعرة بأنهم عند الله بمنزلة في قبول شهادتهم . ( في الأرض فيه إشارة إلى أنهم بمنزلة الملائكة المقربين المطلعين على أعمال العباد في السماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية