صفحة جزء
[ ص: 1220 ] 1704 - وعن جابر قال : لما كان يوم أحد جاءت عمتي بأبي لتدفنه في مقابرنا ، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ردوا القتلى إلى مضاجعهم . رواه أحمد والترمذي ، وأبو داود ، والنسائي ، والدارمي ، ولفظه للترمذي .


1704 - ( وعن جابر قال : لما كان يوم أحد جاءت عمتي ) في الأزهار نقلا عن الغوامض عمة جابر هذه فاطمة بنت عمر بن حرام الأنصاري ذكره السيد . ( بأبي ) الباء للتعدية . ( لتدفنه في مقابرنا ) أي : في المدينة . ( فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ردوا القتلى ) جمع القتيل وهو المقتول أي : الشهداء . ( إلى مضاجعهم ) أي : مقاتلهم ، والمعنى : لا تنقلوا الشهداء من مقتلهم بل ادفنوهم حيث قتلوا ، وكذا من مات في موضع لا ينقل إلى بلد آخر ، قاله في بعض علمائنا ، وقال في الأزهار : الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم : " ردوا القتلى للوجوب ، وذلك أن نقل الميت من موضع إلى موضع يغلب فيه التغير حرام ، وكان ذلك زجرا عن القيام بذلك والإقدام عليه ، وهذا أظهر دليل وأقوى حجة في تحريم النقل ، وهو الصحيح نقله السيد ، والظاهر أن نهي النقل مختص بالشهداء ، لأنه نقل ابن أبي وقاص من قصره إلى المدينة بحضور جماعة من الصحابة ، ولم ينكروا كما تقدم ، والأظهر أن يحمل النهي على نقلهم ، بعد دفنهم لغير عذر ، ويؤيده لفظ مضاجعهم ، ولعل وجه تخصص الشهداء قوله تعالى : قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وفيه حكمة أخرى : وهو اجتماعهم في مكان واحد حياة وموتا ، وبعثا وحشرا ، ويتبرك الناس بالزيارة إلى مشاهدهم ويكون وسيلة إلى زيارة جبل أحد ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : " أحد جبل يحبنا ونحبه . قال المظهر : فيه دلالة على أن الميت لا ينقل من الموضع الذي مات فيه . قال الأشرف : هذا كان في الابتداء ، أي ابتداء أحد ، وأما بعده فلا ، لما روي أن جابرا جاء بأبيه عبد الله الذي قتل بأحد بعد ستة أشهر إلى البقيع ودفنه بها . قال الطيبي رحمه الله : لعل الظاهر أنه إن دعت ضرورة إلى النقل نقل ، وإلا فلا ، لما روينا عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن صعصعة : أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين كانا قد حفر السيل قبرهما ، وكان قبرهما مما يلي السيل ، وكانا في قبر واحد ، وهما ممن استشهد يوم أحد ، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما ، فوجدا لم يتغيرا ، كأنما ماتا بالأمس ، وكان أحدهما قد جرح ويده على جرحه فدفن ، وهو كذلك ، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت ، وكان بين أحد وبين الحفر عنهما ست وأربعون سنة ، قلت : وهذا القول هو القول ، لأنه لا يظن بجابر أنه ينقل النهي عن أن ينقل . قال ابن الهمام : ولا ينبش بعد إهالة التراب لمدة طويلة ولا قصيرة ، إلا لعذر . قال في التجنيس : والعذر أن يظهر أن الأرض مغصوبة ، أو يأخذها شفيع ، ولذا لم يحول كثير من الصحابة ، وقد دفنوا بأرض الحرب ، إذ لا عذر ، ومن الأعذار أن يسقط في اللحد مال ثوب ، أو درهم لأحد ، واتفقت كلمة المشايخ في امرأة دفن ابنها وهي غائبة في غير بلدها فلم تصبر فأرادت نقله أنه لا يسعها ذلك لتجويز شواذ بعض المتأخرين لا يلتفت إليه ، ولم نعلم خلافا بين المشايخ في أنه لا ينبش ، وقد دفن بلا غسل ، أو بلا صلاة فلم يبيحوه لتدارك فرض لحقه يتمكن به منه ، أما إذا أرادوا نقله قبل الدفن أو تسوية اللبن فلا بأس بنقله نحو ميل أو ميلين . قال في التجنيس : لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار ، وقال السرخسي : قول محمد بن سلمة ذلك دليل على أن نقله من بلد إلى بلد مكروه ، والمستحب أن يدفن كل في مقبرة البلدة التي مات بها ، ونقل عن عائشة رضي الله عنها : أنها قالت حين زارت قبر أخيها عبد الرحمن ، وكان مات بالشام ، وحمل منها : ولو كان الأمر فيك إلي ما نقلتك ، ولدفنتك حيث مت ، ثم قال في التجنيس : في النقل من بلد إلى بلد لا إثم ، لما نقل أن يعقوب صلى الله عليه وسلم مات بمصر ، ونقل عنه إلى الشام ، وموسى صلى الله عليه وسلم نقل تابوت يوسف صلى الله عليه وسلم بعد ما أتى عليه زمان من مصر إلى الشام ليكون مع آبائه اهـ . ولا يخفى أن هذا شرع من قبلنا ، ولم تتوفر في شروط كونه شرعا لنا إلا انه نقل عن سعد بن أبي وقاص في ضيعة على أربعة فراسخ من المدينة فحمل على أعناق الرجال إليها اهـ . وفيه أنه [ ص: 1221 ] نقل حين موته لا بعد دفنه فلا دخل له في القضية ، ويمكن أن يحمل نقل يعقوب ويوسف عن عذر أيضا ، فلا تنافي بين الإثم والكراهة ، إذ الكراهة محمولة على التنزيه ، وهو خلاف الأولى إلا لعارض . قال صاحب الهداية : وذكر أن من مات في بلده يكره نقله إلى أخرى ، لأنه اشتغال بما لا يفيد ، بما فيه تأخير دفنه ، وكفى بذلك كراهة ، قلت : فإذا كان يترتب عليه فائدة من نقله إلى أحد الحرمين أو إلى قرب قبر أحد من الأنبياء ، أو الأولياء ، أو ليزوره أقاربه من ذلك البلد ، وغير ذلك ، فلا كراهة إلا ما نص عليه من شهداء أحد ، أو من في معناهم ، من مطلق الشهداء ، والله أعلم .

( رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ، والنسائي ، والدارمي ، ولفظه ) : أي : لفظ الحديث ، والمراد هذا اللفظ . ( الترمذي ) وقال : هذا حديث صحيح ، نقله ميرك ، ولفظ الترمذي ، وقد صححه عن جابر : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن يردوا إلى مضاجعهم ، وكانوا نقلوا إلى المدينة قال ابن حجر : وبهذا الحديث الصحيح يرد قول بعضهم : أمره بردهم كان أولا ، وأما بعد فلا لما روي أن جابرا جاء بأبيه إلى البقيع بعد ستة أشهر اهـ . وهو مردود لأن هذا الجمع مقبول بل متعين عند أرباب المنقول والمعقول .

التالي السابق


الخدمات العلمية