صفحة جزء
[ ص: 1236 ] 1729 - وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم " متفق عليه .


1729 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد ) ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا كان أو كبيرا . ( فيلج ) بالنصب والرفع . ( النار ) قال ابن الملك : أي : لا يدخلها ، والمعنى هنا نفي الاجتماع ، لا اعتبار السببية ، وقال الأشرف : إنما تنصب الفاء الفعل المضارع إذا كان بين ما قبلها وما بعدها سببية ، ولا سببية هنا ، إذ لا يجوز أن يكون موت الأولاد ولا عدمه سببا لولوج أبيهم النار فيحمل الفاء على معنى واو الجماعة ، أي : لا يجتمع هذان : موت ثلاثة أولاد وولوج النار . ( إلا تحلة القسم ) وهو استثناء من قوله : فيلج . قال الطيبي : إن كانت الرواية بالنصب فلا محيد عن ذلك ، والرفع يدل على أنه لا يوجد ولوج عقب موت الأولاد ، إلا مقدارا يسيرا ، ومعنى فاء التعقيب كمعنى الماضي في قوله تعالى : ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار في أن ما سيكون بمنزلة الكائن ، وأن ما أخبر به الصادق من المستقبل كالواقع ، وأغرب ابن حجر وقال : السببية ليست ممتنعة بل صحيحة ، وزعم امتناعها مبني على النظر لمطلق الولوج ، وهو غفلة من أن ما بعدها ليس مطلقة بل الولوج المقيد بأنه لا يزيد على تحلة القسم ، وذلك مسبب عن موتهم بلا شك ، فاتضح الإتيان بالفاء ، وعجيب من الشارح كيف خفي عليه ) ذلك ؟ ! وقول الطيبـي : إن كانت الرواية بالنصب فلا محيد عن ذلك أعجب اهـ . والصواب أن الاستثناء ليس قيدا ، بل استدراك لئلا ينافي الحكم الحديثي المعنى القرآني ، ولما كان هذا الحكم أمرا مقضيا ومعلوما دينا لم يذكره في الحديث الآتي ، ففيه دلالة صريحة وإشارة صحيحة أن الاستثناء ليس قيدا للحكم أصلا وفصلا ، وإن كانوا من العجم ، والمعترض عليهم من العرب نسبا وأصلا في النهاية : أراد التحلة قوله تعالى : وإن منكم إلا واردها الآية . وقال ميرك : نقلا عن التخريج : الورود هو العبور على الصراط ، وهو جسر منصوب على جهنم ، عافانا الله منها اهـ . في النهاية : أي : لا يدخل النار إلا أن يمر عليها من غير لحوق ضرر اهـ . فالاستثناء منقطع ، وقال بعض الشراح من علمائنا التحلة بكسر الحاء مصدر كالتحليل ، وتحليل القسم جعله صدقا ، فمعنى : إلا تحلة القسم قيل : إلا بمقدار ما يبر الله تعالى قسمه ، فيه بقوله : وإن منكم إلا واردها يعني لا يدخل النار لكن يمر عليها من غير لحوق ضرر منها به ، وقيل : إلا زمانا يسيرا يمكن فيه تحلة القسم ، فالاستثناء متصل كما هو الأصل فيه ، ثم جعل ذلك مثلا لكل شيء يقل وقته ، والعرب تقول : فعلته تحلة القسم أي : لم أفعل إلا مقدار ما حللت به يميني ، ولم أبالغ اهـ . وفي الحديث إشكال : وهو أنه لا قسم في الآية ظاهرا ، ولعله مأخوذ مما بعده من قوله : كان على ربك حتما مقضيا أي : حتمه وقضى به على نفسه بأن وعد به وعدا مؤكدا لا يمكن خلفه ، وقيل : أقسم عليه ، وقيل : القسم في صدر الكلام مضمر ، أي : والله ، ما منكم إلا واردها ، وقد قدمنا الكلام على ما يتعلق به المقام ، والله أعلم بالمرام .

والصحيح أنه معطوف على المقسم عليه السابق في قوله تعالى : فوربك لنحشرنهم الآية ، ثم رأيت التوربشتي قال : قيل : القسم مضمر بعد قوله : وإن منكم إلا واردها أي : وإن منكم والله ، إلا واردها ، وقيل : موضع القسم مردود إلى قوله : فوربك لنحشرنهم والشياطين . قال الطيبي : لعل المراد بالقسم ما دل على القطع والبت من الكلام ، فإن قوله تعالى : كان على ربك حتما مقضيا تذييل ، وتقرير لقوله : وإن منكم إلا واردها فهو بمنزلة القسم ، بل هو أبلغ لمجيء الاستثناء بالنفي والإثبات ، ولفظ كان وعلى تأكيد الحتم بالمقتضى . ( متفق عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية