صفحة جزء
1741 - وعن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت : سمعت عائشة وذكر لها : أن عبد الله بن عمر يقول : إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه تقول : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ، أما إنه لم يكذب ، ولكنه نسي أو أخطأ ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها ، فقال : إنهم ليبكون عليها ، وإنها لتعذب في قبرها . متفق عليه .


1741 - ( وعن عمرة ) بفتح العين . ( بنت عبد الرحمن أنها قالت : سمعت عائشة وذكر لها ) : أي : لعائشة . ( أن عبد الله بن عمر يقول : إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه تقول ) حال من عائشة ، قيل : مفعول ثان لسمعت ، وما بينهما جملة معترضة ، وجوز الطيبـي أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول . ( يغفر الله لأبي عبد الرحمن ) كنية عبد الله ، وهذا من الآداب الحسنة المأخ ) وذة من قوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم فمن استغرب من غيره شيئا [ ص: 1242 ] ينبغي أن يوطئ ويمهد له بالدعاء إقامة لعذره فيما وقع منه ، وأنه لم يتعمد ، ومن ثم زادت على ذلك بيانا واعتذارا بقولها . ( ما بالتخفيف للتنبيه أو للافتتاح ، يؤتى بها لمجرد مورده الخاص . ( أو أخطأ ) في إرادته العام ، وقال ابن حجر : ولكنه نسي المروي عنه بالكلية ، فأتى بغيره وأخطأ منه ، إلى غيره اهـ . وبعده لا يخفى مع عدم ملاءمته بقولها : ( إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها فقال : إنهم ) أي : اليهود ( ليبكون عليها وإنها ) أي : اليهودية . ( لتعذب في قبرها ) أي : لكفرها أو بالبكاء عليها ) ، وفي معناها كل كافر وفاجر يعذب ، ولا يخفى أن هذا الاعتراض وارد لو لم يسمع الحديث إلا في هذا المورد ، وقد ثبت بألفاظ مختلفة وبروايات متعددة عنه ، وعن غيره غير مقيدة بل مطلقة ، دخل هذا الخصوص تحت ذلك العموم ، فلا منافاة ولا معارضة ، فيكون اعتراضها بحسب اجتهادها . قال ميرك نقلا عن التصحيح : اختلفوا في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه : فقيل : إذا أوصى الميت بذلك فيعذب بسببه بقدر وصيته ، وقيل : هذا القول في حق ميت خاص كان يهوديا ، كما قالت عائشة ، وقيل : إنهم كانوا يذكرون في بكائهم ونوحهم من أخباره ، ومن جملتها ما يكون مذموما شرعا ، فالمعنى أنه يعذب بما يقع في البكاء من الألفاظ . قال : وعندي والله أعلم أن يكون المراد بالعذاب هو الألم الذي يحصل للميت إذا سمعهم يبكون ، أو بلغه ذلك ، فإنه يحصل له تألم بذلك ، والله أعلم .

وقد روينا : أن امرأة من أهل العراق مات لها ولد فوجدت عليه وجدا شديدا ، ثم رحلت في بعض مقاصدها إلى المغرب ، فحضر يوم العيد وعادتها في بلدها أن تخرج كل يوم عيد إلى المقابر تبكي على ولدها ، فلما لم تكن في بلدها خرجت إلى مقابر تلك البلدة ، ففعلت كما كانت تفعل ، وأكثرت البكاء والويل ثم نامت ، فرأت أهل المقبرة قد هاجوا يسأل بعضهم بعضا ، هل لهذه المرأة عندنا ولد ؟ ! فقالوا : لا . فقالوا : كيف جاءت عندنا تؤذينا ببكائها ؟ ! ثم ذهبوا وضربوها ضربا وجيعا ، فلما استيقظت وجدت ألم ذلك الضرب ، فلا شك أن أرواح الأموات تألم من المؤذيات ، وتفرح من اللذات في البرزخ ، كما كانت في الدنيا ، وقد ورد أن الموتى يعلمون أحوال الأحياء ، وما نزل بهم من شدة ورخاء ، وورد أنهم يفتخرون بالزيارات ، ويألمون بانقطاعها ، ولما كان البكاء ، والعويل في حال الحياة تتأذى به الأرواح وتنقبض ، كان كذلك بعد الموت ، والمراد بالتعذيب المنفي الذي أشارت إليه عائشة مستدلة بالآية هو عذاب الآخرة ، والله أعلم اهـ . وأقول : لا شك في تأذي الأرواح بما تتأذى به الأشباح ، وهو محمل حسن ، وتأويل مستحسن ، لولا أنه يعكر عليه ما سبق في الحديث المتفق عليه من تقييد العقاب بقوله يوم القيامة ، مع أنه لا مانع من الجمع بين هذا وبين ما تقدم من الرواية . ( متفق عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية