صفحة جزء
1763 - وعن أبي هريرة قال : زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال : " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " . رواه مسلم .


1763 - ( وعن أبي هريرة قال : زار النبي قبر أمه ) أي بالأبواء بين مكة والمدينة ( فبكى ) أي على فراقها أو على عذابها أو على موته بموتها ، قال ابن الملك : يدل على جواز البكاء عند حضور المقابر ( وأبكى من حوله ) قيل : زيارته - صلى الله عليه وسلم - أمه مع أنها كافرة تعليم منه للأمة حقوق الوالدين والأقارب ، فإنه لم يترك قضاء حقها مع كفرها ( فقال : استأذنت ربي في أن أستغفر فلم يؤذن لي ) قال ابن الملك : لأنها كافرة ، والاستغفار للكافرين لا يجوز ، لأن الله لن يغفر لهم أبدا ( واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ) بناء على المجهول مراعاة لقوله " فلم يؤذن لي " ، ويجوز أن يكون بصيغة الفاعل ، ذكر ابن الجوزي في كتاب الوفاء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاة أبيه كان مع أمه آمنة ، فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخوالها بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم ، ومنهم أبو أيوب ، ثم رجعت به إلى مكة ، فلما كانوا بالأبواء توفيت فقبرها هناك ، وقيل : لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة زار قبرها بالأبواء ، ثم قام مستعبرا ، فقال : " إني استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي ، واستأذنته بالاستغفار لها فلم يأذن لي " ، ونزل ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى الآية . وأغرب ابن حجر حيث قال : ولعل حكمة عدم الإذن في الاستغفار لها إتمام النعمة عليه بإحيائها له بعد ذلك حتى تصير من أكابر المؤمنين ، أو الإمهال إلى إحيائها لتؤمن به فتستحق الاستغفار الكامل حينئذ اهـ وفيه أن قبل الإيمان لا تستحق الاستغفار مطلقا ، ثم الجمهور على أن والديه - صلى الله عليه وسلم - ماتا كافرين ، وهذا الحديث أصح ما ورد في حقهما ، وأما قول ابن حجر : وحديث إحيائهما حتى آمنا به ثم توفيا حديث صحيح ، وممن صححه الإمام القرطبي ، والحافظ ابن ناصر الدين ، فعلى تقدير صحته لا يصلح أن يكون معارضا لحديث مسلم مع أن الحفاظ طعنوا فيه ، ومنعوا جوازه أيضا بأن إيمان اليأس غير مقبول إجماعا كما يدل عليه الكتاب والسنة ، وبأن الإيمان المطلوب من المكلف إنما هو الإيمان الغيبي ، وقد قال تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وهذا الحديث الصحيح صريح أيضا في رد ما تشبث به بعضهم بأنهما كانا من أهل الفترة ، ولا عذاب عليهما مع اختلاف في المسألة ، وقد صنف السيوطي رسائل ثلاثة في نجاة والديه - صلى الله عليه وسلم - وذكر الأدلة من الجانبين ، فعليك بها إن أردت بسطها ( فزوروا القبور فإنها ) أي القبور أو زياراتها ( تذكر الموت ) يعني وذكر الموت يزهد في الدنيا ويرغب في العقبى ( رواه مسلم ) ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه . قال ميرك : حديث أبي هريرة في زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره الحافظ الكبير أبو الحجاج المزي في الأطراف ، وهو لم يوجد في نسخ رواياتنا بالصحيح المشرقية ، قال النووي في شرحه هذا الحديث : وجد في رواية أبي العلاء بن ماهان لأهل المغرب ، ولا يوجد في نسخة بلادنا من طريق عبد الغافر بن محمد الفارسي اهـ وقد رواه محيي السنة من طريق عبد الغافر من صحيح مسلم ، فلعله يوجد في بعض النسخ ، ولولا ذلك لم يذكره المزكي في الأطراف ، وقبر أم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأبواء توفيت مرجعها من زيارة أخوال أبيه بني النجار بالمدينة ، وعمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ست سنين ، ومر به النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية سنة ست من الهجرة ، فزاره . ويروى أنه زاره في ألف نعت أي في ألف نفس ، مصمتين بالسلاح ، كذا قاله الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية