صفحة جزء
1800 - وعن معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة ، ومن أربعين مسنة . رواه أبو داود والترمذي والنسائي والدارمي .


1800 - ( وعن معاذ ) بالضم ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه ) أي جعله متوجها ( إلى اليمن ) عاملا على الزكاة وغيرها ( أمره أن يأخذ من البقر ) وفي نسخة من البقرة والمراد الجنس ، قال ابن الهمام : البقر من بقر إذا شق ; سمي به لأنه يشق الأرض ، وهو اسم جنس ، والتاء في بقرة للوحدة ، فيقع على الذكر والأنثى ، لا للتأنيث ( من كل ثلاثين ) أي بقرة ( تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ) يعني أو مسنا ( رواه أبو داود والترمذي والنسائي والدارمي ) قال ميرك : وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ، وقال الترمذي : حسن ، وذكر أن بعضهم رواه مرسلا ، وقال : هذا أصح ، قاله الشيخ الجزري ، وقال الشيخ ابن حجر : زعم ابن بطال أن حديث معاذ هذا متصل صحيح ، وفيه نظر ; لأن مسروقا راويه عن معاذ لم يلق معاذا ، وإنما حسنه الترمذي بشواهده ، ففي الموطأ من طريق طاوس عن معاذ نحوه ، وطاوس عن معاذ منقطع أيضا ، وفي الباب عن علي عند أبي داود أيضا كأنه يشير إلى الحديث قبله ، وقال ابن الهمام : أخرج أصحاب السنن الأربعة عن مسروق عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمين أمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، ومن كل حالم يعني محتلما دينارا ، أو عدله من المغافر ثياب تكون باليمين ، حسنه الترمذي ، ورواه بعضهم مرسلا ، وهذا أصح ، ويعني بالدينار من الحالم الجزية ، ورواه ابن حبان في صحيحه ، والحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وأعله [ ص: 1290 ] عبد الحق بأن مسروقا لم يلق معاذا ، وصرح ابن عبد البر بأنه متصل ، وأما ابن حزم فقال في أول كلامه : إنه منقطع ، وإن مسروقا لم يلق معاذا ، وقال في آخره : وجدنا حديث مسروق إنما ذكر فيه فعل معاذ باليمن في زكاة البقر ، ومسروق عندنا بلا شك أدرك معاذا بسنه وعقله ، وشاهد أحكامه يقينا ، وأفتى في زمن عمر - رضي الله عنه - وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم ، وهو رجل كان باليمن أيام معاذ ، بنقل الكافة من أهل بلده عن معاذ ، في أخذه لذلك على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - . اهـ وحاصله أنه يجعل بواسطة بينه وبين معاذ ، وهو ما فشا من أهل بلده أن معاذا أخذ كذا وكذا ، والحق قول ابن القطان إنه يجب أن يحكم بحديثه عن معاذ على قول الجمهور ، في الاكتفاء بالمعاصرة ، ما لم يعلم عدم اللقاء ، وأما على ما شرطه البخاري وابن المديني من العلم باجتماعهما ولو مرة ، فكما قال ابن حزم والحق خلافه ، وعلى كلا التقديرين يتم الاحتجاج به على ما وجهه ابن حزم . اهـ ، كلام المحقق ، والله الموفق ، وهذا يتحقق أن ما جزم به ابن حجر بقوله : وهو صحيح غير صحيح على إطلاقه ، ثم قال : ورواه الدارقطني والبزار من حديث بقية عن المسعودي عن الحاكم عن طاوس عن ابن عباس قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذا إلى اليمن ، فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، قالوا : فالأوقاص ؟ قال : ما أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها بشيء وسأسأله إذا قدمت عليه ، فلما قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله ، فقال : " ليس فيها شيء " قال المسعودي : والأوقاص ما بين الثلاثين إلى أربعين والأربعين إلى ستين ، وفي السند ضعف وفي المتن أنه رجع فوجده حيا ، وهو موافق لما في معجم الطبراني ، وفي سنده مجهول ، وفيه أي في معجم الطبراني حديث آخر أن معاذا قال : بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصدق أهل اليمن ، فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة ، وفي الستين مسنة وتبيعا ، وأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئا إلا أن تبلغ مسنة أو جذعا ، وهو مرسل ، واعتراض أيضا بأن معاذا لم يدركه - صلى الله عليه وسلم - حيا ، وفي الموطأ عن طاوس أن معاذا . . . الحديث ، وفيه : فتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يقدم معاذ ، وطاوس لم يدرك معاذا ، وأخرج في المستدرك عن ابن مسعود قال : كان معاذ بن جبل شابا جميلا حليما سمحا من أفضل شباب قومه ، ولم يكن يمسك شيئا ، ولم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين ، فلزمه غرماؤه حتى تغيب عنهم أياما في بيته ، فاستأذنوا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل في طلبه ، فجاء ومعه غرماؤه . . . فساق الحديث إلى أن قال : فبعثه إلى اليمن ، قال له : لعل الله أن يجبرك ويؤدي عنك دينك ، فخرج معاذ إلى اليمن فلم يزل به حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ثم رجع معاذ . . الحديث بطوله ، قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، وفي مسند أبي يعلى أنه قدم فسجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا معاذ ما هذا ؟ " قال : وجدت اليهود والنصارى باليمن يسجدون لعظمائهم ، وقالوا هذه تحية الأنبياء ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " كذبوا على أنبيائهم ، لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " ، وفي هذا أن معاذا أدركه - صلى الله عليه وسلم - حيا . اهـ ولعل الجمع بتعدد الواقعة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية