صفحة جزء
( باب صدقة الفطر )

( الفصل الأول )

1815 - عن ابن عمر قال : فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة . متفق عليه .


( باب صدقة الفطر )

ويقال صدقة الفطر وزكاة الفطر أو الفطرة كأنها من الفطرة التي هي الخلقة ، فوجوبها عليها تزكية للنفس أي تطهير لها وتنقية لعملها ، ويقال للمخرج هنا فطرة بكسر الفاء ، وهي مولدة لا عربية ولا معربة ، بل اصطلاحية للفقهاء في حقيقة شرعية على المختار كالصلاة والزكاة ، وفرضت هي وصوم شهر رمضان في السنة الثالثة من الهجرة ، أما رمضان ففي شعبان ، وأما هي فقال غير واحد في السنة الثانية أيضا وقال بعض الحفاظ قبل العيد بيومين ، وقال البغداديون من أصحابنا : إن زكاة الفطر وجبت بموجب زكاة الأموال ، من نصوص الكتاب والسنة بعمومها فيها ، وقال البصريون منهم : إن وجوبها سابق على وجوب زكاة الأموال ، واعتد به بعض الحفاظ ، وقيل : إن زكاة الأموال فرضت قبل الهجرة ، ويدل لفرضها قبل الزكاة خبر قيس ابن سعد بن عبادة : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت فلم يأمرنا ولم ينهنا أي اكتفاء بالأمر السابق ولأجل ذلك قال : ونحن نفعله ، أي نخرجها ، وحكمة إيجابها طهر الصوم على ما يأتي ، ووجوبها مجمع عليه كما حكاه ابن المنذر والبيهقي ، واعترض بأن جمعا حكوا الخلاف فيها عن بعض الصحابة ، وغيرهم ، وتبعهم ابن اللبان من أصحابنا ، لكن في الروضة أن ما قاله غلط صريح ، وفي المجموع سبقه إليهم الأصم وهو لا يعتد به في الإجماع .

[ ص: 1297 ] ( الفصل الأول )

1815 - ( عن ابن عمر قال : فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر ) قال الطيبي : دل على أنها فريضة والحنفية على أنها واجبة ، أقول لعدم ثبوتها بدليل قطعي فهو فرضي عملي لا اعتقادي ، قال ابن الهمام : وما يستدل به على الوجوب ما استدل به الشافعي على الافتراض فإن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية في كلام الشارع متعين ، ما لم يقيم صارف عنه ، والحقيقة الشرعية غير مجرد التقدير ، خصوصا في لفظ البخاري ومسلم في هذا الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بزكاة الفطر ، ومعنى لفظ فرض هو معنى لفظ أمر ، والأمر الثابت بظني إنما يفيد الوجوب ، ولا خلاف في المعنى فإن الافتراض الذي يثبتونه ليس على وجه يكفر جاحده ، فهو معنى الوجوب ، الذي نقول به ، غايته أن الفرض في اصطلاحهم أعم من الواجب في عرفنا ، فأطلقناه على أحد جزأيه . اهـ ، وفيه دليل لمذهبنا ، ولما رأى الحنفية الفرق بين الفرض والواجب بأن الأول ما ثبت بقطعي ، والثاني ما ثبت بظني قالوا إن الفرض هنا بمعنى الواجب ، وفيه نظر ، لأن هذا قطعي لما علمت أنه مجمع عليه ، فالفرض فيه باق على حاله ، حتى على قواعدهم ، فلا يحتاج لتأويلهم الفرض هنا بالواجب . اهـ ، وفيه أن الإجماع على تقدير ثبوته إنما هو في لزوم هذا الفعل ، وأما أنه على طريق الفرض أو الواجب بناء على اصطلاح الفقهاء المتأخرين فغير مسلم ، لا سيما والأحاديث متعارضة في التعبير بالفرض والوجوب ، وأما قوله : وجوبها مجمع عليه كما حكاه المنذري والبيهقي فمنقوض بأن جمعا حكوا الخلاف فيها عن بعض الصحابة وغيرهم ، وتبعهم ابن اللبان من الشافعية ، وسبقه إليه الأصم ، هذا وابن المسيب والحسن البصري : لا تجب إلا على من صلى وصام ، وعن علي - كرم الله وجهه - لا تجب إلا على من أطاق الصوم والصلاة ، وعن عطاء وربيعة والزهري أنها لا تجب إلا أهل البادية ، فثبت بهذا النزاع عدم صحة الإجماع ، والحديث ظني ومدلوله غير قطعي حال كونها ( صاعا من تمر أو صاعا من شعير ) وفي الخبر أن الصاع ثمانية أرطال ، وأخذ به أبو حنيفة وأصحابه ، ولم يصح رجوع أبي يوسف إلى قول مالك ، ومن تبعه كالشافعي ، وتضعيف البيهقي له على تقدير صحته مبني على حدوث الضعف بعد تعلق اجتهاد المجتهد به ، وهو غير مضر ، ثم أو للتخيير بين النوعين ، وما في معناهما ، فليس ذكرهما لحصر الإعطاء منهما ، قال الطيبي : دل على أن النصاب ليس بشرط أي للإطلاق ، وإلا فلا دلالة فيه نفيا وإثباتا ، فعند الشافعي تجب إذا فضل عن قوته ، وقوت عياله ، ليوم العيد وليلته قدر صدقة الفطر ، أقول : وهذا تقدير نصاب كما لا يخفى ، إلا أن علماءنا قيدوا هذا الإطلاق بأحاديث وردت تفيد التقييد بالغنى ، وصرفوه إلى المعنى الشرعي والعرفي ، وهو من يملك نصابا ، منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا صدقة إلا عن ظهر غنى " ، رواه الإمام أحمد في مسنده ، قال ابن الهمام : ذكره البخاري في صحيحه تعليقا ، وتعليقاته المجزومة لها حكم الصحة رواه مرة بغير هذا اللفظ ، ولفظ الظهر مقحم كظهر القلب ، وظهر الغيب في المغرب ، وهو حجة على الشافعي في قوله تجب على من يملك زيادة على قوت يومه لنفسه وعياله ، وأما ما روى أحمد عن ابن أبي ثعلبة بن أبي صغير عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أدوا صاعا من قمح أو صاعا من بر " ، شك حماد ، عن كل اثنين صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو مملوك ، غني أو فقير ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما يعطى فقد ضعفه ، ولو صح لا يقاوم ما رويناه في الصحة ، مع أن ما لا ينضبط كثرة من الروايات المشتملة على التقسيم المذكور ليس فيه الفقير ، فكانت تلك رواية شاذة فلا تقبل خصوصا مع نبو قواعد الصدقات ، والحديث الصحيح عنها ( على العبد والحر ) قال الطيبي : جعل وجوب الفطرة على السيد كالوجوب على العبد ، قال ابن الهمام عند قول صاحب الهداية : وشرط الحرية ليتعلق التمليك إذ لا يملك إلا المالك ، ولا ملك لغير الحر ، فلا يتحقق منه الركن ، وقول الشافعي : إنها على العبد ويتحمله السيد ، ليس بذاك المقصود الأصلي من التكليف ، أن يصرف المكلف نفس منفعته لمالكه ، وهو الرب - تعالى - ابتلاء له لتظهر طاعته من عصيانه ، ولذا لا يتعلق التكليف إلا بفعل المكلف ، فإذا فرض كون المكلف لا يلزمه شرعا صرف تلك المنفعة التي هي فيما نحن فيه فعل الإعطاء ، وإنما يلزم شخصا آخر لزم انتفاء الابتلاء الذي هو مقصود التكليف في حق ذلك المكلف ، وثبوت الفائدة بالنسبة إلى ذلك الآخر لا تتوقف على الإيجاب على الأول ، لأن الذي له ولاية الإيجاد والإعدام يمكن أن يكلف ابتداء السيد بسبب عبد ملكه له من فضله ، فوجب لهذا الدليل العقلي ، وهو لزوم انتفاء مقصود التكليف الأول أن يحمل ما ورد من لفظ " على " في نحو قوله على كل حر ، وعبد على معنى عن كقوله : [ ص: 1298 ]

إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها



وهو كثير ، هذا لو لم يجئ شيء من ألفاظ الروايات بلفظ ( عن ) كيلا ينافيه الدليل العقلي فكيف وفي بعض الروايات صرح به على ما قدمناه ( والذكر والأنثى والصغير والكبير ) وهو يعم الحاضر والغائب حال كونهم ( من المسلمين ) قال الطيبي : حال من العبد ، وما عطف عليه فلا يجب على المسلم فطرة العبد الكافر ، قال صاحب الهداية : يجب للإطلاق ولحديث رواه الدارقطني عن ابن عباس مرفوعا " أدوا صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ، ذكر أو أنثى ، يهودي أو نصراني ، حر أو مملوك ، نصف صاع من بر أو صاعا من تمر ، أو شعير " ، قال ابن الهمام : أما الحديث فضعيف ، وأما الآخر فإن الإطلاق في الصحيح يوجبها في الكافر ، والتقييد في الصحيح أيضا بقوله من المسلمين لا يعارضه ، لما عرف من عدم حمل المطلق على المقيد في الأسباب لأنه لا تزاحم فيها فيمكن الأخذ بهما فيكون كل من المطلق والمقيد سببا ، بخلاف ورودها في حكم واحد ، هذا وتجب الفطرة على الزوجة دون زوجها عندنا ، وبه قال الثوري خلافا للشافعي ( وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ) قال الطيبي : أمر استحباب لجواز التأخير عن الخروج عند الجمهور إلى الغروب ، وفي جواز التأخير عن اليوم خلاف ، وقال ابن حجر : ومما يدل على كون الأمر ندبا خبر الحسن : من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ، وبهذا يندفع قول بعض السلف إن الأمر هاهنا للوجوب وإن قواه جمع من أئمتنا . اهـ ، ولا يخفى أن خبر الحسن يفيد الوجوب إلا أن جماعة ادعوا أن إخراجه قبل صلاة العيد أفضل إجماعا ، ثم مما يؤكدون الأمر للندب جواز التقدم أيضا ، قال ابن الهمام بعد قول صاحب الهداية : فإن قدموها على يوم الفطر جاز ، لأنه أدى بعد تقرر السبب ، يعني الرأس الذي يمونه ، ويلي عليه ، فأشبه تعجيل الزكاة ، وفيه حديث البخاري عن ابن عمر : فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر ، إلى أن قال في آخره : وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين ، وهذا مما لا يخفى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بل لابد من كونه بإذن سابق ، فإن الإسقاط قبل الوجوب مما لم يعقل ، فلم يكونوا يقدمون عليه إلا بسمع ، والله أعلم .

وقال : عند قوله : هو الصحيح احتراز عن قول خلف ، وكذا الشافعي بجواز تعجيلها بعد دخول رمضان لا قبله ، لأنها صدقة الفطر ، ولا فطر قبل الشروع في الصوم ، وعما قيل في النصف الأخير لا قبله ، وما قيل في العشر الأخير لا قبله ، وقال الحسن بن زياد : لا يجوز التعجيل أصلا ، اهـ . وكأنه أخذ بظاهر هذا الحديث ، وبما رواه الحاكم في علوم الحديث عن ابن عمر قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرج صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ، حر أو عبد ، صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من قمح ، وكان يأمرنا أن نخرجها قبل الصلاة ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسمها قبل أن ينصرف إلى المصلى ويقول : " أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم " اهـ وفي رواية " أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم " ولعل الأمر بالإغناء لئلا يتشاغل الفقير بالمسألة عن الصلاة ، والجمهور حملوا أمره وفعله على الاستحباب لما تقدم ( متفق عليه ) قال ميرك : ورواه الأربعة إلى قوله من المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية