صفحة جزء
1823 - وعن عبد المطلب بن ربيعة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ، ولا لآل محمد " ، رواه مسلم .


1823 - ( وعن عبد المطلب بن ربيعة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن هذه الصدقات " ) أي أنواع الزكاة وأصناف الصدقات " إنما هي أوساخ الناس " الجملة خبر لقوله هذه كما في قوله - تعالى - إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا فلا يحتاج إلى تقدير خبر كما اختاره ابن حجر ولا إلى القول بأنها بدل لما قبلها وبأنها زائدة ونحوها ، وإنما سماها أوساخا لأنها تطهر أموالهم ونفوسهم ، قال - تعالى - خذ من أموالهم صدقة تطهرهم فهي كغسالة الأوساخ ، ففي الكلام تشبيه بليغ " وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " زيد " لا " لتأكيد " لا " النافية وكذا اللام الثانية ، قال ميرك : فيه دليل على أن الصدقة تحرم عليه وعلى آله سواء كان بسبب العمل أو بسبب الفقر والمسكنة وغيرهما ، وهذا هو الصحيح عندنا ، وقال ابن الملك : الصدقة لا تحل للنبي - صلى الله عليه وسلم - فرضا كانت أو نفلا وكذا المفروضة لآله أي أقربائه وأما التطوع فمباح لهم ، قال ابن الهمام عند قول صاحب الهداية : " ولا تدفع إلى بني هاشم " هذا ظاهر الرواية ، وروى أبو عصمة عن أبي حنيفة أنه يجوز في هذا الزمان وإنما كان ممتنعا في ذلك الزمان ، وعنه وعن أبي يوسف يجوز أن يدفع بعض بني هاشم إلى بعض زكاتهم . قال الشمني : وبنو هاشم هم بنو الحارث والعباس ابنا عبد المطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبنو علي وجعفر وعقيل أولاد أبي طالب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بنو أبي لهب لأن حرمة الصدقة أولا في الآباء إكراما لهم ثم سرت إلى الأبناء ولا إكرام لأبى لهب ( رواه مسلم ) .

قال ميرك في قصة طويلة : وأخرج البخاري تحريم الصدقة على آل النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة اهـ قال ابن الهمام : روى مسلم عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال : اجتمع ابن ربيعة والعباس بن عبد المطلب فقالا : لو بعثنا هذين الغلامين إلي وللفضل بن عباس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرهما على هذه الصدقة فأصابا منها ما يصيب الناس ، فقال علي : لا ترسلوهما . فانطلقنا حتى دخلنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يومئذ عند زينب بنت جحش فقلنا : يا رسول الله قد بلغنا النكاح وأنت أبر الناس وأوصل الناس ، وجئناك لتؤمرنا على هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون . قال : فسكت طويلا ثم قال : " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ، ادعوا لي محمية بن جزء " رجلا من بني أسد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعمله في الأخماس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب فأتياه ، فقال لمحمية : " أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا " قال ابن الهمام : وهذا ما وعدناك من النص على عدم حل أخذها للعامل الهاشمي ، ولفظه للطبراني : " لا يحل لكم أهل البيت من الصدقات شيء إنما هي غسالة أيدي الناس ، وإن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم " ، وهو يوجب تحريم صدقة بعضهم على بعض ، وكذا ما روى البخاري عنه - صلى الله عليه وسلم - : " نحن أهل البيت لا تحل لنا الصدقة " ، ثم لا يخفى أن هذه العمومات تنظم الصدقة النافلة والواجبة ، فجروا على موجب ذلك في الواجبة فقالوا لا يجوز صرف كفارة اليمين والظهار والقتل وجزاء الصيد وعشر الأرض وغلة الوقف إليهم ، وأما الصدقة النافلة فقال في النهاية : ويجوز النفل بالإجماع ، وكذا يجوز النفل للغني كذا في الفتاوى العتابية اهـ وصرح في الكافي بدفع صدقة الوقف إليهم على أنه بيان المذهب من غير نقل خلاف ، فقال : وأما التطوع والوقف فيجوز الصرف إليهم لأن المؤدى في الواجب يطهر نفسه بإسقاط الفرض فيتدنس به المؤدى كالماء المستعمل ، وفي النفل يتبرع بما ليس عليه فلا يتدنس به المؤدى كمن تبرد بالماء اهـ . والحق الذي يقتضيه النظر إجراء صدقة الوقف مجرى النافلة فإن ثبت في النافلة جواز الدفع يجب دفع الوقف وإلا فلا ، إذ لا شك في أن الواقف متبرع بتصدقه بالوقف إذ لا إنفاق واجب ، كان منشأ الغلط وجوب دفعها على الناظر وبذلك لم تصر صدقة واجبة على المالك بل غاية الأمر أنه وجوب إتباع شرط الواقف على الناظر ، فوجوب الأداء هو نفس هذا الوجوب فلنتكلم في النافلة ثم يعطى مثله للوقف ، ففي شرح الكنز : لا فرق بين الصدقة الواجبة والتطوع ، ثم قال : وقال : بعض يحل لهم التطوع فقد أثبت الخلاف على وجه يشعر بترجيح حرمة النافلة وهو الموافق للعمومات ، فوجب اعتباره فلا تدفع إليهم النافلة إلا على وجه الهبة مع الأدب وخفض الجناح تكرمة لأهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقرب الأشياء إليك حديث لحم بريرة الذي تصدق به عليها لم يأكله ؛ اعتبره هدية منها فقال : هو عليها صدقة ولنا منها هدية ، والظاهر أنها كانت صدقة نافلة .

[ ص: 1303 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية