صفحة جزء
( الفصل الثاني )

1987 - عن حفصة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له " .

رواه الترمذي وأبو داود والنسائي والدارمي . وقال أبو داود : وقفه على حفصة معمر والزيدي وابن عيينة ويونس الأيلي كلهم عن الزهري .


( الفصل الثاني )

1987 - ( عن حفصة ) أم المؤمنين ( قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يجمع " ) بالتخفيف ويشدد قيل الإجماع والإزماع والعزم بمعنى ، وهو إحكام النية ، وقيل الإجماع هو العزم التام ، وحقيقته جمع رأيه عليه ، أي من لم ينو " الصيام " وقال الطيبي : يقال أجمع الأمر وعلى الأمر وأزمع عليه وأزمعه أيضا إذا صمم عزمه ، ومنه قوله - تعالى - وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم أي أحكموه بالعزيمة ، والمعنى من لم يصمم العزم على الصوم " قبل الفجر فلا صيام له " وظاهر الحديث أنه لا يصح الصوم بلا نية قبل الفجر فرضا كان أو نفلا ، وإليه ذهب ابن عمر وجابر بن زيد ومالك والمزني وداود ، وذهب الباقون إلى جواز النفل بنية من النهار ، وخصصوا هذا الحديث بما روي عن عائشة أنها قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتيني فيقول : " أعندك غداء ؟ " فأقول : لا ، فيقول : " إني صائم " ، وفي رواية : " إني إذن لصائم " ، وإذن للاستقبال وهو جواب وجزاء اهـ والغداء بفتح المعجمة وبالدال المهملة اسم لما يؤكل قبل الزوال ، ومن ثمة [ ص: 1383 ] لم تجز النية بعد الزوال ولا معه ، والصحيح أن توجد النية في أكثر النهار الشرعي فيكون قبل الصحوة الكبرى ، قال ابن حجر : وفي قول الشافعي وغيره أن نية صوم النفل تصح قبل الغروب لما صح عن فعل حذيفة ، واتفقوا على اشتراط التبييت في فرض لم يتعلق بزمان معين كالقضاء والكفارة والنذر المطلق ، واختلفوا فيما له زمان معين كرمضان ، والنذر المعين ، فكذا عند الشافعي وأحمد ، وعند أبي حنيفة - رحمه الله - يجوز بنية قبل نصف النهار الشرعي ، قال الطيبي : إلا أن مالكا وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين عنه قالوا : لو نوى أول ليلة من رمضان صيام جميع الشهر أجزأه لأن الكل كصوم يوم وهو قياس على الزكاة لا يقابل النص ( رواه الترمذي وأبو داود والنسائي والدارمي ) وقال الترمذي : وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله ، وهو أصح ، وقال النسائي : الصواب أنه موقوف ولم يصح رفعه ، قال أبو داود : ورواه الليث وإسحاق بن حازم ، ويحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم مرفوعا ، قال الدارقطني : رفعه عبد الله بن أبي بكر بن حزم وهو من الثقات الأثبات ، وروى الخطابي قال : وزيادات الثقات مقبولة ، وقال البيهقي : عبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ورفعه ، وهو من الثقات الأثبات ، وروى الدارقطني عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له " وقال : رواته كلهم ثقات ، كذا قال الشيخ الجزري ، وقال الشيخ ابن حجر : اختلف في رفع الحديث ووقفه ، ورجح الترمذي والنسائي وقفه بعد أن أطنب النسائي في تخريج طرقه ، وحكى الترمذي في العلل عن البخاري ترجيح وقفه ، وعمل بظاهر الإسناد جماعة فصححوا رفعه ، منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حزم ، كذا ذكره ميرك ( وقال أبو داود : وقفه على حفصة معمر ) بسكون العين بين فتحتي الميمين ( والزبيدي ) بالتصغير ، قال الطيبي : هو محمد بن الوليد صاحب الزهري ( وابن عيينة ويونس ) أي ابن يزيد ( الأيلي ) بفتح الهمزة وسكون الياء تحتها نقطتان وباللام ، قال الطيبي : نسبه إلى بلدة بالشام ، ذكره في الجامع ( كلهم عن الزهري ) قال النووي : الحديث صحيح ، قال : ورواه أصحاب السنن وغيرهم بأسانيد كثيرة رفعا ، وقد قال الدارقطني في بعض طرقه الموصولة : رجال إسناده كلهم أجلة ثقات ، قال ابن حجر : وإذا ثبت صحة الحديث واستحضرت القاعدة المقررة أن النفي إذا أطلق إنما ينصرف لنفي الحقيقة دون نفي كمالها علم منه وجوب النية ، ورد قول عطاء ومجاهد وزفر : لا تجب لرمضان نية لتعيينه ، وعدم انعقاد غيره فيه .

قال ابن الهمام : روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة واختلفوا في لفظه " لا صيام لمن لم ينو الصيام من الليل " يجمع بالتشديد والتخفيف يبيت ولا صيام لمن لم يفرضه من الليل ، رواية ابن ماجه ، واختلفوا في رفعه ووقفه ، والأكثر على وقفه ، ولنا ما في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا من أسلم أن أذن في الناس : أن من أكل فليصم بقية يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم ، فإن اليوم يوم عاشوراء ، وكان يوم عاشوراء يصومه قريش في الجاهلية ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يصومه ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان قال - صلى الله عليه وسلم - : " من شاء تركه " ، قال الطحاوي : فيه دليل على أنه كان أمر إيجاب قبل نسخه برمضان إذ لا يؤمر بإمساك من أكل بقية اليوم إلا في يوم مفروض الصوم بعينه ابتداء ، بخلاف قضاء رمضان إذا أفطر فيه ، فعلم أن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلا أنه تجزئه نيته نهارا ، قال : ثم يجب تقديم ما رويناه على مرويه لقوة ما في الصحيحين بالنسبة إلى ما رواه بعد ما نقلنا فيه من الاختلاف في صحة رفعه ، فيلزم إذ قدم كون المراد به نفي الكمال كما في أمثاله من نحو ( لا وضوء لمن لم يسم ) وغيره كثير اهـ ملخصا .

[ ص: 1384 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية