صفحة جزء
200 - وعن معاوية - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم والله يعطي " . متفق عليه .


200 - ( وعن معاوية ) : رضي الله عنه هو معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي ، أمه هند بنت عتبة ، كان هو وأبوه من مسلمة الفتح ، ثم من المؤلفة قلوبهم ، وهو أحد الذين كتبوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل : لم يكتب له من الوحي شيئا إنما كتب له كتبه ، روى عنه ابن عباس ، وأبو سعيد ، تولى الشام بعد أخيه يزيد في زمن عمر ، ولم يزل بها متوليا حاكما إلى أن مات ، وذلك أربعون سنة . منها في أيام عمر أربع سنين أو نحوها . ومدة خلافة عثمان ، وخلافة علي وابنه الحسن ، وذلك تمام عشرين سنة ، ثم استوثق له الأمر بتسليم الحسن بن علي إليه في سنة إحدى وأربعين ، ودام له عشرين سنة ، ومات في رجب بدمشق ، وله ثمان وسبعون سنة . وكان أصابته في آخر عمره لقوة ، وكان يقول في آخر عمره : ليتني كنت رجلا من قريش بذي طوى ، ولم أر من هذا الأمر شيئا ، وكان عنده إزار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورداؤه وقميصه وشيء من شعره وأظفاره فقال : كفنوني في قميصه ، وأدرجوني في ردائه ، وأزروني بإزاره ، واحشوا منخري وشدقي ومواضع السجود من شعره وأظفاره ، وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين . ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرا ) : تنكيره للتفخيم أي خيرا كثيرا " ( يفقهه ) : بتشديد القاف أي : يجعله عالما ( في الدين ) أي : أحكام الشريعة والطريقة والحقيقة ، ولا يخص بالفقه المصطلح المختص بالأحكام الشرعية العلمية كما ظن ، فقد روى الدارمي عن عمران قال : قلت للحسن يوما في شيء قاله ، يا أبا سعيد ! هكذا يقول الفقهاء . قال : ويحك هل رأيت فقيها قط إنما الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، البصير بأمر دينه ، المداوم على عبادة ربه ، وفي رواية : إنما الفقيه من انفقأت عينا قلبه فنظر إلى ربه ا هـ .

ويؤيده ما في رواية : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، ويلهمه رشده ، رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود . ( وإنما أنا قاسم ) أي للعلم ( والله يعطي ) . أي : الفهم في العلم بمبناه ، والتفكر في معناه ، والعمل بمقتضاه . قال الطيبي : الواو في وإنما للحال من فاعل ( يفقه ) أو مفعوله أي : أنا أقسم العلم بينكم ، فألقي إليكم جميعا ما يليق بكل أحد ، والله يوفق من يشاء منكم لفهمه . قال ابن حجر : ومن ثم تفاوتت أفهام الصحابة مع استواء تبليغه عليه الصلاة والسلام ، بل فاق بعض من جاء بعد الصحابة بعضهم في الفهم والاستنباط كما أشار لذلك الخبر الآتي : رب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه . وقيل : معناه أنا أقسم المال بينكم والله يعطيه ، فلا يكون في قلوبكم سخط وتنكر عن التفاضل في القسمة ، فإنه أمر الله ، والظاهر أن المعنى أنا أقسم العلم بينكم والله يعطي العلم كذا قاله بعض الشراح ، والأظهر أن لا منع من الجمع ، وإن كان المقام يقتضي العلم والله أعلم . قيل : ولم يقل معط لأن إعطاءه متجدد ساعة فساعة ( متفق عليه ) . ورواه أحمد عنه ، وكذا أحمد ، والترمذي عن ابن عباس ، وابن ماجه عن أبي هريرة .

[ ص: 284 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية