صفحة جزء
2227 - وعنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، ما لم يستعجل . قيل : يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : يقول : قد دعوت وقد دعوت ، فلم أر يستجاب لي ، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء " ( رواه مسلم ) .


2227 - ( وعنه ) : أي : عن أبي هريرة : قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يستجاب للعبد " : أي : بعد شروط الإجابة " ما " : ظرف يستجاب بمعنى المدة أي : مدة كونه " لم يدع بإثم " : مثل أن يقول : اللهم قدرني على قتل فلان وهو مسلم ، أو اللهم ارزقني الخمر ، أو اللهم اغفر لفلان وهو مات كافرا يقينا ، أو اللهم خلد فلانا المؤمن في النار ، وأمثال ذلك من المستحيلات ، كرؤية الله يقظة في الدنيا ، وأما قولابن حجر ، في تخليد المؤمن والرؤية نظر ظاهر ، فإن الخلاف شهير في ذي الكبيرة إذا مات مصرا ، ورؤية الله تعالى غير مستحيلة ، وإلا لم يطلبها موسى - عليه الصلاة والسلام - فمردود ، إذ لا عبرة بخلاف الخوارج والمعتزلة ، ولأن رؤية الله مستحيلة شرعا ، وطلب موسى - عليه الصلاة والسلام - كان مبنيا على أنها غير مستحيلة عقلا ، فلما أفاق وعلم باستحالته شرعا قال : سبحانك تبت إليك ، وأنا أول المسلمين . أي : بأن لا ترى في الدنيا . قيل : ومنه أخف زللنا عن الكرام الكاتبين ، نعم إن قصد التوفيق للتوبة عقب الزلة حتى لا يكتبها الملك جاز ، لحديث ابن عساكر : إذا تاب العبد أنسى الله تعالى الحفظة ذنوبه ، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض ، حتى يلقى الله تعالى وليس عليه شاهد من الله بذنب ، ومنه ما دل السمع الأحادي على ثبوته ، كاللهم اغفر للمسلمين جميع ذنوبهم ، لأن الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة أنه لا بد من دخول طائفة منهم النار ، ولا ينافيه قولهم : اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين لأن محله إذا أراد مطلق المغفرة لهم ، أما إذا أراد عموم المغفرة له ولهم في الآخرة ، فهو محل الحرمة ؛ لأنه حينئذ مكذب بالأحاديث الصحيحة ، ومنه الدعاء بلفظ أعجمي جهل معناه ، ومنه الدعاء على من لم يظلمه مطلقا ، أو على من ظلمه بأزيد مما ظلمه ، ولا ينافيه قصة سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرة ، حيث دعا على من ظلمه بأكثر لأنه مذهب صحابي ، ومع حله يذهب أجره لحديث الترمذي : " من دعا على ظالمه فقد انتصر " . واختلفوا في الدعاء على الظالم بسوء الخاتمة ونحوه فقيل : يباح كما قال نوح : ( ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) وقال موسى : ( واشدد على قلوبهم ) ، ودعا نبينا - صلى الله عليه وسلم - على عتبة بن ربيعة يوم أحد حين كسر رباعيته وشج وجهه ، فقال : " اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرا فكان كذلك " ، وقيل يمنع . قال ابن حجر : وجمع بعضهم بحمل الأول على متمرد عم ظلمه ، والثاني على غيره ، وأقول : الصواب أن الأول محمول على الكافر والثاني على المسلم .

" أو قطيعة رحم " : نحو : اللهم باعد بيني وبين أبي فهو تخصيص بعد تعميم " ما لم يستعجل " : قال الطيبي : الظاهر ذكر العاطف في قوله : ما لم يستعجل ، لكنه ترك تنبيها على استقلال كل من القيدين أي : يستجاب ما لم يدع ، يستجاب ما لم يستعجل . ( قيل : يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : يقول ) : أي : الداعي ( قد دعوت ، وقد دعوت ) : أي : مرة بعد أخرى يعني مرات كثيرة ، أو طلبت شيئا وطلبت آخر ( فلم أر ) : أي : فلم أعلم أو أظن دعائي وهو المفعول الأول والثاني محذوف . كذا قاله الطيبي : والأظهر أن يستجاب بتقدير أن أو بدون أن بتأويل المصدر ، والمعنى لم أر آثار استجابة دعائي " يستجاب لي " : وهو إما استبطاء أو إظهار يأس ، وكلاهما مذموم . أما الأول فلأن الإجابة لها وقت معين ، كما ورد : إن بين دعاء موسى وهارون على فرعون ، وبين الإجابة أربعين سنة ، وأما القنوط ، فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، مع أن الإجابة على أنواع منها تحصيل عين المطلوب في الوقت المطلوب ، ومنها : وجوده في وقت آخر لحكمة اقتضت تأخيره ، ومنها : دفع شر بدله ، أو إعطاء خير آخر خير من مطلوبه . ومنها : ادخاره ليوم يكون أحوج إلى ثوابه ، " فيستحسر " : أي : ينقطع ويميل ويفتر ، استفعال من حسر إذا عيي وتعب " عند ذلك " : أي : عند رؤيته عدم الاستجابة في الحالة " ويدع الدعاء " : أي : يتركه مطلقا ، أو ذلك الدعاء . ولا ينبغي للعبد أن يمل من الدعاء ، لأنه عبادة ، وتأخير الإجابة إما لأنه لم يأت وقته ; لأن لكل شيء وقتا مقدرا في الأزل ، أو لأنه لم يقدر في الأزل قبول دعائه في الدنيا فيعطى في الآخرة من الثواب عوضه ، أو يؤخر دعاؤه ليلح ويبالغ في الدعاء ، فإن الله يحب الملحين في الدعاء ، ولعل عدم قبول دعائه بالمطلوب المخصص خير له من تحصيله ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون . ( رواه مسلم ) .

[ ص: 1526 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية