صفحة جزء
2233 - وعن سلمان الفارسي ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " ( رواه الترمذي ) .


2233 - ( وعن سلمان الفارسي ) : بكسر الراء وتسكن ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرد القضاء إلا الدعاء " : القضاء : هو الأمر المقدر ، وتأويل الحديث أنه أراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه به ويتوقاه ، فإذا وفق للدعاء دفعه الله عنه ، فتسميته قضاء مجاز على حسب ما يعتقده المتوقي عنه ، يوضحه قوله - صلى الله عليه وسلم - في الرقي : هو من قدر الله ، وقد أمر بالتداوي والدعاء مع أن المقدور كائن لخفائه على الناس وجودا وعدما ، ولما بلغ عمر الشام وقيل له : إن بها طاعونا رجع ، فقال أبو عبيدة أتفر من القضاء يا أمير المؤمنين ! فقال : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم نفر من قضاء الله إلى قضاء الله ، أو أراد برد القضاء إن كان المراد حقيقته تهوينه وتيسير الأمر ، حتى كأنه لم ينزل . يؤيده قوله في الحديث الآتي : الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، وقيل : الدعاء كالترس ، والبلاء كالسهم ، والقضاء أمر مبهم مقدر في الأزل " ولا يزيد في العمر " : بضم الميم وتسكن " إلا البر " : بكسر الباء وهو الإحسان والطاعة . قيل : يزاد حقيقة . قال تعالى : ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) وقال : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .

وذكر في الكشاف أنه لا يطول عمر إنسان ولا يقصر إلا في كتاب . وصورته : أن يكتب في اللوح إن لم يحج فلان أو يغز فعمره أربعون سنة ، وإن حج وغزا فعمره ستون سنة ، فإذا جمع بينهما فبلغ الستين فقد عمر ، وإذا أفرد أحدهما فلم يتجاوز به الأربعين فقد نقص من عمره الذي هو الغاية وهو الستون ، وذكر نحوه في معالم التنزيل ، وقيل : معناه أنه إذا بر لا يضيع عمره فكأنه زاد ، وقيل : قدر أعمال البر سببا لطول العمر ، كما قدر الدعاء سببا لرد البلاء ، فالدعاء للوالدين وبقية الأرحام يزيد في العمر ، إما بمعنى أنه يبارك له في عمره فييسر له في الزمن القليل من الأعمال الصالحة ما لا يتيسر لغيره من العمل الكثير ، فالزيادة مجازية ؛ لأنه يستحيل في الآجال الزيادة الحقيقية .

قال الطيبي : اعلم أن الله تعالى إذا علم أن زيدا يموت سنة خمسمائة استحال أن يموت قبلها أو بعدها ، فاستحال أن تكون الآجال التي عليها علم الله تزيد أو تنقص ، فتعين تأويل الزيادة أنها بالنسبة إلى ملك الموت أو غيره ممن وكل بقبض الأرواح ، وأمره بالقبض بعد آجال محدودة ، فإنه تعالى بعد أن يأمره بذلك أو يثبت في اللوح المحفوظ ينقص منه أو يزيد على ما سبق علمه في كل شيء وهو بمعنى قوله تعالى : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) وعلى ما ذكر يحمل قوله - عز وجل - : ( ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ) فالإشارة بالأجل الأول إلى ما في اللوح المحفوظ ، وما عند ملك الموت وأعوانه ، وبالأجل الثاني إلى ما في قوله تعالى : ( وعنده أم الكتاب ) وقوله تعالى : ( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) والحاصل أن القضاء المعلق يتغير ، وأما القضاء المبرم فلا يبدل ولا يغير . ( رواه الترمذي ) : وكذا ابن ماجه عن سلمان ، وابن حبان ، والحاكم وقال : صحيح الإسناد عن ثوبان ، وفي روايتيهما : لا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يذنبه .

[ ص: 1529 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية