صفحة جزء
2264 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ، ذكرته في ملأ خير منهم . " ( متفق عليه ) .


2264 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي " : أي : المؤمن ( بي ) : وزاد في رواية : إن ظن خيرا ، وإن ظن شرا ، وفي رواية : فليظن بي ما شاء ، وفي رواية : فلا يظن بي إلا خيرا ، والمعنى أني عند يقينه لي في الاعتماد على فضلي ، والاستيثاق بوعدي ، والرهبة من وعيدي ، والرغبة فيما عندي . أعطيه إذا سألني ، وأستجيب له إذا دعاني . وقال الطيبي : الظن لما كان واسطة بين اليقين والشك ، استعمل تارة بمعنى اليقين ، وذلك إن ظهرت أماراته ، وبمعنى الشك إذا ضعفت علاماته ، وعلى المعنى الأول قوله تعالى : الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم أي : يوقنون وعلى المعنى الثاني قوله تعالى : وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون [ ص: 1542 ] أي : توهموا . والظن في الحديث يجوز إجراؤه على ظاهره ، ويكون المعنى أنا أعامله على حسب ظنه بي ، وأفعل به ما يتوقعه مني من ضر أو شر ، والمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف وحسن الظن بالله ، كقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " ويجوز أن يراد بالظن اليقين ، والمعنى ، أنا عند يقينه بي ، وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه علي ، وأن ما قضيت به له أو عليه من خير أو شر لا مرد له ، ولا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت . أي : إذا رسخ العبد في مقام التوحيد ، وتمكن في الإيمان والوثوق بالله قرب منه ورفع له الحجاب بحيث إذا دعاه أجاب ، وإذا سأله استجاب ، كما في حديث أبي هريرة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال عن الله تعالى : " إذا علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت له " .

وقال أبو طالب المكي : وكان ابن مسعود يحلف بالله تعالى ما أحسن عبد ظنه بالله تعالى إلا أعطاه ذلك ، لأن الخير كله بيده ، فإذا أعطاه حسن الظن به ، فقد أعطاه ما يظنه لأن الذي حسن ظنه به هو الذي أراد أن يحققه له . وقال ابن عطاء : إن لم تحسن ظنك به لأجل حسن وصفه ، حسن ظنك به لأجل معاملته معك ، فهل عودك إلا حسنا ؟ وهل أسدى إليك إلا مننا ؟ .

قال شارح الحكم بن عباد : حسن الظن يطلب من العبد في أمر دنياه ، وفي أمر آخرته ، أما أمر دنياه : فأن يكون واثقا بالله تعالى في إيصال المنافع والمرافق إليه من غير كد ولا سعي ، أو بسعي خفيف مأذون فيه ومأجور عليه ، وبحيث لا يفوته ذلك شيئا من فرض ولا نفل ، فيوجب له ذلك سكونا وراحة في قلبه وبدنه ، فلا يستفزه طلب ولا يزعجه سبب ، وأما أمر آخرته : فأن يكون قوي الرجاء في قبول أعماله الصالحة ، وتوفية أجوره عليها في دار الثواب والجزاء ، فيوجب له ذلك المبادرة لامتثال الأمر والتكثير من أعمال البر بوجدان حلاوة واغتباط ، ولذاذة ونشاط ، ومن مواطن حسن الظن بالله تعالى التي لا ينبغي للعبد أن يفارقه فيها : أوقات الشدائد والمحن ، وحلول المصائب في الأهل والمال والبدن ، لئلا يقع بسبب عدم ذلك في الجزع والسخط ، وقد قال ابن عطاء : من ظن انفكاك لطفه عن قدره ، فذاك لقصور نظره .

وإنما بسطت الكلام ؛ لأن أكثر الأنام لا يفرقون بين الغرور وحسن الظن . ( وأنا معه ) : أي : بالتوفيق والحفظ والمعونة أو أسمع ما يقوله ، أو عالم بحاله لا يخفى علي شيء من مقاله ( إذا ذكرني ) : أي : بلسانه وقلبه ( فإن ذكرني ) : تفريع يفيد أنه تعالى مع الذاكر ، سواء ذكره في نفسه أو مع غيره ( في نفسه ) : أي : سرا وخفية أو تثبيتا وإخلاصا ( ذكرته في نفسي ) : أي : أسر بثوابه على منوال عمله ، وأتولى بنفسي إثابته لا أكله إلى غيري ( وإن ذكرني في ملأ ) : أي : مع جماعة من المؤمنين ، أو في حضرتهم ( ذكرته ) : أي : بالثناء الجميل وإعطاء الأجر الجزيل وحسن القبول وتوفيق الوصول ، وقيل : المراد مجازاة العبد بأحسن مما فعله وأفضل مما جاء به ( في ملأ خير منهم ) : أي : من ملأ الذاكرين من حيث عصمتهم عن المعصية ، وشدة قوتهم على الطاعة ، وكمال إطلاعهم على أسرار الألوهية ، ومشاهدتهم أنواع أنوار الملكوتية ، ولفظ الحصن : خير منه بصيغة الإفراد نظرا إلى لفظ الملأ .

قال ميرك في حاشية الحصن : كذا وقع في أصل السماع وجميع النسخ الحاضرة منه بصيغة الواحد ، والذي في الأصول من البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجه منهم بضمير الجمع . قال الطيبي : أي من الملائكة المقربين وأرواح المرسلين ، فلا دلالة على كون الملائكة أفضل من البشر . وقال ابن الملك : اختلف هل البشر خير من الملائكة أم لا ؟ رجح كلا مرجحون ، قيل : والمختار أن خواص البشر كالأنبياء خير من خواص الملائكة كجبريل ، وأما عوام البشر فليسوا بخير من الملائكة أصلا ، فقوله : " في ملأ خير منهم " أي : خير منهم حالا : فإن حال الملائكة خير من حال الإنس في الجد والطاعة . قال الله تعالى : لا يعصون الله ما أمرهم وأحوال المؤمنين مختلفة بين طاعة ، ومعصية ، وجد ، وفترة اهـ .

[ ص: 1543 ] ومراد الطيبي أن جنس البشر أفضل من جنس الملائكة ، ولا ينافيه التفصيل المشهور ، وأما قول ابن حجر : فالملأ الموصوف بأنه خير منهم هم المقربون الذين تقرر أنهم أفضل من عوامنا ، وحينئذ فالحديث لا يدل على خلاف من التفصيل الذي هو الأصح عند أهل السنة ، وبهذا يعلم رد قول الشارح فمردود ، لأن ملأ الذاكر قد يكون فيه نبي من الأنبياء ، فلا بد من تأويل الطيبي ، أو من حمل الخيرية على الأمر الإضافي أو الاستغراقي أو الغالبي ( متفق عليه ) : ورواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه . وروى البزار من حديث ابن عباس مرفوعا قال : " قال الله تبارك وتعالى : يا ابن آدم إذا ذكرتني خاليا ذكرتك خاليا وإذا ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير من الذين تذكرني فيهم " وإسناده صحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية