صفحة جزء
2266 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى قال : " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته ، ولا بد له منه " ( رواه البخاري ) .


2266 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : إن الله تعالى قال : من عادى ) : أي : آذى ( لي وليا ) : أي : واحدا من أوليائي فعيل بمعنى مفعول ، وهو : من تولى الله أمره فلا يكله إلى نفسه لحظة قال الله تعالى : وهو يتولى الصالحين أو لمبالغة فاعل ، وهو المتولي عبادة الله وطاعته على التوالي بلا تخلل عصيان ، والأول يسمى : مرادا ومجذوبا سالكا ، والثاني : مريدا وسالكا مجذوبا ، واختلف أيهما أفضل ، وفي الحقيقة كل مراد مريد ، وكل مريد مراد ، وإنما التفاوت في البداية والنهاية ، والعناية والرعاية ( فقد آذنته ) : بالمد أي : أعلمته ( بالحرب ) : أي : بمحاربتي إياه لأجل وليي ، أو بمحاربته أي يعني : فكأنه محارب لي ، قال تعالى : فأذنوا بحرب من الله ورسوله وهذا يدل على ما في هاتين الخصلتين من عظم الخطر ، إذ محاربة الله للعبد تدل على سوء خاتمته ، لأن من حاربه الله لا يفلح أبدا . ( وما تقرب إلي عبدي ) : أي : المؤمن وآثره ؛ لأن من شأن العبد التقرب إلى سيده لأنواع خدمته وأصناف طاعته ( بشيء ) : من الأعمال ( أحب إلي مما افترضت ) : أي : من أداء ما أوجبت ( عليه ) [ ص: 1545 ] أي : من امتثال الأوامر واجتناب الزواجر ، وقوله : ( أحب ) يقتضي أن تكون وسائل القرب كثيرة ، وأحبها إلى الله أداء الفرائض ، فيندرج فيها النوافل ولذا قال : ( وما يزال عبدي ) : أي : القائم بقرب الفرائض ( يتقرب ) : أي : يطلب زيادة القرب ( إلي بالنوافل ) أي : بقرب الطاعات الزوائد على الفرائض ( حتى أحببته ) : وفي نسخة : حتى أحبه ، أي : حبا كاملا لجمعه بين الفرائض والنوافل ، خلاف ما يوهم كلام الطيبي أن قوله : ما يزال بيان أن حكم بعض المفضل عليه الذي هو النافلة هذه المثابة ، فما الظن بالمفضل الذي هو الفرائض ؟ ( فكنت سمعه ) : وفي نسخة صحيحة : فإذا أحببته كنت سمعه وقال ابن حجر : والذي في الأصول المشهورة : حتى أحببته فكنت سمعه ، ( الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ) : بضم الياء ( ويده التي يبطش بها ) : بكسر الطاء أي : يأخذ ( بها ورجله التي يمشي بها ) .

قال الخطابي : أي : يسرت عليه أفعاله المنسوبة إلى هذه الآلات ، ووفقته فيها ، حتى كأني نفس هذه الآلات ، وقيل : أي : يجعل الله حواسه وآلاته وسائل إلى رضائه فلا يسمع إلا ما يحبه الله ويرضاه ، فكأنه يسمع به إلخ . وقيل : أي : يجعل الله سلطان حبه غالبا عليه حتى لا يرى إلا ما يحبه الله ، ولا يسمع إلا ما يحبه ، ولا يفعل إلا ما يحبه ، ويكون الله سبحانه في ذلك له يدا وعونا ووكيلا يحمي سمعه وبصره ويده ورجله عما لا يرضاه . وقيل : معناه كنت أسرع إلى قضاء حوائجه من سمعه في الاستماع ، وبصره في النظر ، ويده في اللمس ، ورجله في المشي ، ويمكن أن يكون المعنى إذا تقرب إليه بما افترض عليه ، وزاد في التقرب بالنوافل المكملات للفرائض ، ومن جملتها دوام الذكر الموصل إلى حضور الوصول ، وسرور الحصول ، ومقام الفناء عن نفسه ، والبقاء بربه ، ظهر له آثار محبته الأزلية وانكشف له أنوار قربته الأبدية ، فرأى أن ما به من الكمال من السمع والبصر وقوة القوى إنما هو من آثار سمعه وبصره وقدرته وقوته ، وأما هو فعدم محض فلا يرى في الدار غيره ديار .

وقال ابن حجر : فلا يسمع شيئا ولا يبصر ولا يبطش ولا يمشي ، إلا وشهد أني الموجد لذلك والمقدر له ، فيصرف جميع ما أنعمت به عليه إلى ما خلق لأجله من طاعتي ، فلا يستعمل سمعه وغيره من مشاعره إلا فيما يرضيني ويقربه مني ، فلا يتوجه لشيء إلا وأنا منه بمرأى ومسمع ، فأنا له عين ويد ورجل وعون ووكيل وحافظ ونصير ، كما هو جلي عند أئمة العرفان دون غيرهم ، إذ لا يؤمن عليهم لضيق العبادة عما يوهم لغير ذوي الإشارة من الأغاليط التي هي الحلول والاتحاد والانحلال عن رابطة الشرع الملجئة إلى مضايق الضلال .

ومن هذا يتضح لك قاعدة مهمة وهي : أن ما أشكل عليك من عبارات الأولياء فإن أمكن تأويلها فبادر إليه كقول أبي يزيد : ليس في الجبة غير الله ، فإن لم يمكن فإن صدرت في مقام غيبة فلا حرج على قائلها ؛ لأنه غير مكلف حينئذ ، وكذا إن وقع الشك في ذلك ، وإن صدرت مع تحقق صحوه أقيم عليه حكمها الشرعي ، إذ الولي ليس بمعصوم ، والمحفوظ ربما فرط منه ما عوتب به ثم عاد إليه حاله ( وإن سألني لأعطينه ) : بالتأكيد ، وفي التعبير ( بأن ) دون ( إذا ) إيماء إلى أنه قد يصل إلى مقام يترك فيه السؤال اتكالا على علمه بالحال ، أو لأنه لا يطلب غير الملك المتعال ( ولئن استعاذني ) : قال العسقلاني : ضبطناه بوجهين الأشهر بالنون بعد الذال المعجمة ، والثاني بالموحدة ( لأعيذنه ) : أي : مما يخاف من البعد ( وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ) : وفي نسخة : عن قبض نفس المؤمن ، وقال ابن حجر : كما في رواية قيل : التردد هو التخير بين أمرين لا يدرى أيهما أصلح ، وهو محال على الله سبحانه ، فأولوه على ترديد الأسباب والوسائط ، وجعلوا قصة موسى - عليه الصلاة والسلام - مع ملك الموت سندا لقولهم ، وقيل : المراد من لفظ التردد إزالة كراهة الموت عن المؤمن . مما يبتليه الله به من المرض والفاقة وغيرها ، فأخذه المؤمن عما تشبث به من حب الحياة شيئا فشيئا بالأسباب التي ذكرنا يشبه فعل المتردد من حيث الصفة ، فعبر عنه بالتردد .

وقال القاضي : التردد تعارض الرأيين وترادف الخاطرين ، وهو وإن كان محالا في حقه تعالى إلا أنه أسند إليه باعتبار غايته ومنتهاه الذي هو التوقف والتأني في الأمر ، وكذلك في سائر ما يسند إلى الله تعالى من صفات [ ص: 1546 ] المخلوقين كالغضب والحياء والمكر ، والمعنى ما أخرت وما توقفت توقف المتردد في أمر أنا فاعله إلا في قبض نفس عبدي المؤمن ، أتوقف فيه وأريه ما أعددت له من النعم والكرامات حتى يسهل عليه ويميل قلبه إليه شوقا إلى أن ينخرط في سلك المقربين ، ويتبوأ في أعلى عليين ( يكره الموت ) : استئناف جوابا عما يقال : ما سبب التردد ؟ والمراد أنه يكره شدة الموت بمقتضى طبعه البشري ؛ لأن نفس الموت تحفة المؤمن يوصله إلى لقاء الله ، فكيف يكرهه المؤمن ؟ ( وأنا أكره مساءته ) : قال ابن الملك : أي : إيذاءه بما يلحقه من صعوبة الموت وكربه ، وقال ابن حجر : أي : أكره ما يسوءه ؛ لأني أرحم به من والديه ، لكن لا بد له منه لينتقل من دار الهموم والكدورات إلى دار النعيم والمسرات ، فعلته به إيثارا لتلك النعمة العظمى والمسرة الكبرى ، كما أن الأب الشفوق يكلف الابن بما يكلفه من العلم وغيره ، وإن شق عليه نظرا لكماله الذي يترتب على ذلك ا هـ . وهو خلاصة كلامالطيبي .

وحاصل كلامهم أن إضافة المساءة مزج باب إضافة المصدر إلى مفعوله ، وفيه أنه لو كرهه تعالى لما وجد في الخارج ، إذ وجود الأشياء بقدرته وهو متوقف على إرادته ، ولا مكره له تعالى في إبداء مصنوعاته ، فالظاهر أن الإساءة مضافة إلى فاعله ، وهو لا ينافي إرادته ، كما حقق في محله الفرق بين المشيئة والإرادة والرضا والكراهة ، فإن بعض المراد مكروه غير مرضي ، بالمعنى أكره مساءته لكراهته الموت ، فإنه لا ينبغي أن يكره الموت بل يحبه ، فإن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، وفي نسخة صحيحة : ولا بد له منه . وكذا في أصل ميرك ، وهو كذا في شرح المصابيح لابن الملك ، وقال ابن حجر كما في رواية : والمعنى ، ولا بد للمؤمن من الموت فلا معنى للكراهة ، أو ولهذا لا أدفع عنه الموت ، قال تعالى : فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ( رواه البخاري ) : قيل : آخر الحديث في كتاب البخاري ، والحميدي ، وجامع الأصول ، وشرح السنة ، وليس فيها : ( فإذا أحببته ) كما في نسخ المصابيح ، ولا زيادة لفظ ( قبض ) عند قوله : عن قبض نفس المؤمن ، ولا قوله : ولا بد له منه في آخر الحديث ، والمذكورات وردت في حديث روى أنس نحوه في شرح السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية