صفحة جزء
2303 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا بصيرا ، وهو معكم ، والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " قال أبو موسى : وأنا خلفه أقول : لا حول ولا قوة إلا بالله في نفسي ، فقال : " يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ ، فقلت : بلى يا رسول الله ، قال : " لا حول ولا قوة إلا بالله " ( متفق عليه ) .


2303 - ( وعن أبي موسى الأشعري قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير ) ، أي : في الأماكن العالية على ما ورد به السنة ، أو المراد به التكبير ونحوه من الأذكار ، أو لعله كان سفر غزو ، فيناسبه تخصيص التكبير ، أو المراد به التعظيم فيشمل التكبير وغيره ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيها الناس ) : وفي نسخة بحرف النداء ( اربعوا ) : بفتح الباء ( على أنفسكم ) أي : ارفقوا بها وأمسكوا عن الجهر الذي يضركم ( إنكم ) : استئناف فيه معنى التعليل ( لا تدعون ) أي : الله بالتكبير ، أو لا تذكرون . وظن ابن حجر أن معنى تدعون تسألون وتطلبون ، فقال أي : تعبدون لأن الصادر منهم مجرد ( الله أكبر ) ، كما أفاده اللفظ ، وهذا لا دعاء فيه إلا أن يقال : إنه متضمن للدعاء ، كما أفاده قول أمية بن أبي الصلت الذي كان - صلى الله عليه وسلم - يصغي إلى أشعاره ، وقال في حقه ( كاد أن يسلم ) لما استرفد بعض الملوك :


إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء



( أصم ولا غائبا ، إنكم ) : تأكيد ( تدعون سميعا بصيرا ) : قال الطيبي ، فإن قلت فما فائدة الزيادة في قوله بصيرا ؟ قلت : السميع البصير أشد إدراكا وأكثر إحساسا من الضرير والأعمى ، والأظهر ما قاله ابن حجر : سميعا مقابلا لقوله أصم ، وبصيرا أتي به لأنه ملازم للسميع في الذكر ، لما بينهما من التناسب في الإدراك ، والأولى أن يقال : لما كان الدعاء يشمل العبادة الفعلية والقولية أتى بهما جميعا ، والأحق أنه أتي به للدلالة على أنهما صفتان ثابتتان لازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى ، بخلاف غيره تعالى دفعا لوهم الواهم لو اقتصر على الأول ، أو يقال أتى بالبصير تذييلا وتتميما ، ولهذا أتى بالمعية التي يؤخذ منها العلم الأعم منهما تكميلا وتعميما بقوله : ( وهو معكم ) أي : حاضر بالعلم والاطلاع على حالكم أين ما كنتم ، سواء أعلنتم أو أخفيتم ، وهو بظاهره مقابل لقوله : ( ولا غائبا ) ثم زاد في تحقيق هذه المعية المعنوية الدالة على غاية الشرف والعظمة بقوله : ( والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ) : بل هو أقرب من حبل الوريد ، فهو بحسب مناسبة المقام تمثيل وتقريب إلى فهم اللبيب ، والمعنى قرب القريب فيكون ترقيا من قوله : وهو معكم .

( قال أبو موسى : وأنا خلفه أقول لا حول ) أي : لا حركة في الظاهر ( ولا قوة ) أي : لا استطاعة في الباطن ( إلا بالله ) : أو لا تحويل عن شيء ، ولا قوة على شيء إلا بمشيئته وقوته ، وقيل : الحول الحيلة إذ لا دفع ولا منع إلا بالله . وقال النووي : هي كلمة استسلام وتفويض وأن العبد لا يملك من أمره شيئا ، وليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى . اهـ .

والأحسن ما ورد فيه عن ابن مسعود قال : كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلتها ، فقال : " تدري ما تفسيرها ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله " أخرجه البزار ، ولعل تخصيصه - صلى الله عليه وسلم - بالطاعة والمعصية لأنهما أمران مهمان في الدين ( في نفسي ) ، متعلق بأقول وهو يحتمل أن مراده أقول في قلبي أو بلساني من غير ارتفاع صوتي ، وهو الأنسب بمقتضى المقابلة لغيره ، فحينئذ يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - انكشف له ما في خاطره وسمع منه في تكراره ، ( فقال يا عبد الله ) : وهو اسم أبي موسى ( بن قيس ألا أدلك على كنز ) أي : عظيم ( من كنوز الجنة ؟ ) سمى هذه الكلمة كنزا لأنها كالكنز في نفاسته وصيانته من أعين الناس ، أو أنها من ذخائر الجنة ، أو من محصلات نفائس الجنة . قال النووي : المعنى أن قولها يحصل ثوابا نفيسا يدخر لصاحبه في الجنة ( قلت : بلى يا رسول الله ) أي : دلني فإن الدال على الخير كفاعله ( قال : لا حول ولا قوة إلا بالله . " متفق عليه ) . وأخرج أحمد والترمذي وصححه ، وابن حبان ، عن أبي أيوب ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به مر على إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - فقال : يا محمد مر أمتك أن يكثروا من غراس الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله ، وجاء في بعض الروايات أنها باب من أبواب الجنة ، ولعل اختلاف نتائجها باختلاف مراتب قائلها . 5 [ ص: 1598 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية