صفحة جزء
2421 - وعن عبد الله بن سرجس قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحور بعد الكور ، ودعوة المظلوم ، وسوء المنظر في الأهل والمال ) . ( رواه مسلم ) .


2421 - ( وعن عبد الله بن سرجس ) بفتح السين وكسر الجيم على وزن نرجس ، وقيل بفتح الجيم مصروفا ( قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر يتعوذ ) أي : بالله ( من وعثاء السفر ) أي : مشقته الشاغلة عن الذكر والفكر وشدته المانعة من حضور القلب مع الرب ، قيل السفر قطعة من سقر ، وفيه تعمية لطيفة من جهة الكتابة والحساب فتأمل تدركهما على وجه الصواب ، وفي الحديث " السفر قطعة من العذاب " أي : نوع من عذاب النار وهو المذكور في قوله تعالى ( سأرهقه صعودا ) أي : سأكلفه عقبة شاقة المصعد ، قال البيضاوي : هو مثل لما يلقى من الشدائد ، والصحيح أنه على حقيقته لما في الحديث : ( إنه جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبدا ) رواه أحمد والترمذي والحاكم وابن حبان عن أبي سعيد بسند صحيح ( وكآبة المنقلب ) في الفائق : وهو أن ينقلب إلى وطنه فيلقى ما يكتئب منه من أمر أصابه في سفره أو فيما يقدم عليه اهـ . وفيه إيماء إلى رجوعه من سفر الدنيا إلى وطن الأخرى ، وهو بالاستعاذة أولى وأحرى ومنه قوله تعالى : وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ( والحور بعد الكور ) بفتح فسكون فيهما والحاء مهملة أي : النقصان بعد الزيادة والتفرق بعد الاجتماع ، وقيل : من فساد الأمور بعد إصلاحها ، وقيل : الرجوع عن الجماعة بعد أن كان فيهم ، قال الطيبي : وفيه نظر لأن استعمال الكور في جماعة الإبل خاصة وربما استعمل في البقر ، والجواب أن باب الاستعارة غير مسدود فإن العطن مختص بالإبل فيكنون عن ضيق الخلق بضيق العطن على أنهم يستعملون ألفاظا مقيدة فيما لا قيد له كالمرسن لأنف الإنسان ، والمشفر للشفة اهـ . ويسمونه التجريد ، وأصل الحور نقض العمامة بعد لفها ، وأصل الكور من كور العمامة على رأسه يكورها كورا أي : لفها ، وكل دور كور ومنه قوله تعالى : يكور الليل على النهار وقوله : إذا الشمس كورت إذا لمت وألقيت في النار زيادة في نكال عابديها ، قال المظهر : الحور النقصان والكور الزيادة أي : نعوذ بك من نقصان الحال والمال بعد زيادتهما وتمامهما أي : من أن ينقلب حالنا من السراء إلى الضراء ومن الصحة إلى المرض اهـ . ويمكن أن يقال أي : من التنزل بعد الترقي ، أو من الرجوع إلى المعصية بعد التوبة ، أو إلى الغفلة بعد الذكر ، أو إلى الغيبة بعد الحضور ، ولذا قال العارف ابن الفارض :

ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهوا حكمت بردتي



وروي والحور بعد الكون بالنون في الثاني أي : الرجوع في الحالة المستحسنة بعد أن كان عليها ، والكون الحصول على هيئة جميلة ، يريد التراجع بعد الإقبال ، قال ميرك : واعلم أنه وقع في معظم نسخ مسلم بالنون وكذا ضبطه الحافظ لعله المنذري وروي بالراء ومعناه النقصان بعد الزيادة ، وقيل من الشذوذ بعد الجماعة ، أو من الفساد بعد الصلاح ، أو من القلة بعد الكثرة ، أو من الإيمان إلى الكفر ، أو من الطاعة إلى المعصية ، وكأنه من كار عمامته إذ لفها على رأسه فاجتمعت وإذا نقضها فانفرقت ، وبالنون قال أبو عبيد : من قولهم حار بعد ما كان أي : إنه كان على حالة جميلة فرجع عنها ، ووهم بعضهم رواية النون والله تعالى أعلم ( ودعوة المظلوم ) أي : فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ، قال الطيبي : فإن قلت دعوة المظلوم يحترز عنها سواء كانت في الحضر أو السفر ، قلت : كذلك الحور بعد الكور ; لكن السفر مظنة البلايا والمصائب والمشقة فيه أكثر فخصت به اهـ . ويريد أنه حينئذ مظنة للنقصان في الدين والدنيا وباعث على التعدي في حق الرفقة وغيرهم لا سيما في مضيق الماء كما هو مشاهد في سفر الحج فضلا من غيره ، ولذا كان يسميه بعض المشايخ السنة التي عصيت الله فيها وقد رجع بعضهم عن طريق مكة لهذا ، وبهذا يندفع كلام ابن حجر معترضا على الطيبي بقوله وهو عجيب لأن جوابه لا يلاقي السؤال أصلا فتأمل ، أو يقال إن المظلوم إذا كان مسافرا يكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة لاجتماع الكربة والغربة ( وسوء المنظر ) بفتح الظاء ( في الأهل والمال ) أي : من أن يطمع ظالم أو فاجر في المال والأهل ( رواه مسلم ) وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجه . [ ص: 1682 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية