صفحة جزء
2516 - وعن ابن عباس قال : وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذاك وكذاك حتى أهل مكة يهلون منها ( متفق عليه ) .


2516 - ( وعن ابن عباس قال : وقت ) بتشديد القاف ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) قيل الوقت نهاية الزمان المفروض والميقات الوقت المضروب للفعل والموضع أيضا ، يقال ميقات أهل المدينة للموضع الذي يحرمون منه ، ومعنى وقت جعل ذلك الموضع ميقات الإحرام أي بين حد الإحرام وعين موضعه ، ( لأهل المدينة ذا الحليفة ) على فرسخين من المدينة قال الطيبي - رحمه الله : وعشر مراحل من مكة قاله ابن الملك - رحمه الله ، وهو ماء من مياه بني جشم ، والحليفة تصغير الحلفة مثال القصبة وهي نبت في الماء وجمعها حلفاء ، وقد اشتهر الآن ببئر علي ولم يعرف مسمى هذا الاسم ، وما قيل إن عليا - كرم الله وجهه - قاتل الجن في بئر فيها كذب لا أصل له ( ولأهل الشام ) أي من طريقهم القديم لأنهم الآن يمرون على مدينة النبي الكريم ، وقال ابن حجر - رحمه الله - إذا لم يمروا بطريق المدينة ، وإلا لزمهم الإحرام من الحليفة إجماعا على ما قاله النووي ، أقول : وهو غريب منه وعجيب ، فإن المالكية وأبا ثور يقولون بأن له التأخير إلى الجحفة ، وعندنا معشر الحنفية يجوز للمدني أيضا تأخيره إلى الجحفة فدعوى الإجماع باطلة مع وقوع النزاع ، ثم زاد الشافعي في روايته ولأهل الشام ومصر والمغرب ( الجحفة ) وهي بضم الجيم وسكون الحاء ، موضع بين مكة والمدينة من الجانب الشامي يحاذي ذا الحليفة على خمسين فرسخا من مكة على ما ذكره ابن الملك ، وكان اسمه مهيعة فأجحف السيل بأهلها فسميت جحفة ، يقال : أجحف إذا ذهب به وسيل جحاف إذا جرف الأرض وذهب به والآن مشهور بالرابغ ( ولأهل نجد ) أي نجد الحجاز واليمن ( قرن المنازل ) بسكون الواو وتحريكها خطا جبل مدور أملس كأنه بيضة مشرف على عرفات ( ولأهل اليمن يلملم ) جبل بين جبال تهامة على ليلتين من مكة ، ويقال ألملم بالهمزة ( فهن ) أي هذه المواضع ( لهن ) أي لأهل هذه المواضع .

وقال ابن الملك - رحمه الله - تبعا للطيبي : المعنى أن هذه المواقيت لهذه المواقيت أي لأهلها على حذف المضاف دل عليه قوله ( ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ) أي هذه المواقيت لأهلهن المقيمين بهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن اهـ . وهذا غير صواب من وجهين : أما أولا فلأن الفاء في فهن تفريع لما بعده على ما قبله ذكره إجمالا بعد تفصيل ليعطف عليه حكم ما لم يذكر من المواضع استيفاء للحكم الشرعي ، فالوجه أن يقال : فهذه المواضع مواقيت لهذه البلدان أي لأهلهن الموجودين سواء المقيمون والمسافرون ، ولمن أتى عليهن أي مر على هذه المواقيت من غير أهل البلدان قال ابن الهمام : وروي هن لهم والمشهور الأول ووجهه أنه على حذف المضاف والتقدير هن لأهلهن ، وأما ثانيا فلأن المذهب أن هذه المواقيت إنما هي للآفاقيين بأن لا يتجاوزوا عنها وجوبا من غير إحرام تعظيما للحرم الذي يريدون داخله وأما أهل المواقيت نفسها فحكمهم كمن داخلها من أرض الحل في أن ميقاتهم الحل ولهم تجاوز ميقاتهم من غير إحرام إذا لم يريدوا النسك ، فإن أرادوه فليس لهم ذلك إلا محرمين ( لمن كان ) بدل مما قبله لإعادة الجار ( يريد الحج والعمرة ) أي مكان أحد النسكين وهو الحرم عندنا ومذهب الشافعي فيه أقوال وتفصيل وأحوال ، وأغرب ابن حجر حيث قال : وفي تقييد لزوم الإحرام بإرادة النسك أظهر دليل على أن الحج على التراخي ووجه غرابته لا تخفى ( فمن كان دونهن ) قال ابن الملك أي من كان بيته أقرب إلى مكة من هذه المواقيت اهـ . والصواب أن المراد من كان داخل المواقيت أي بين المواقيت نفسها : بين الحرم ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم أهل المواقيت نفسها ، والجمهور على أن حكمها حكم داخل المواقيت خلافا للطحاوي حيث جعل حكمها حكم الآفاقي ( فمهله ) بصيغة المفعول أي موضع إحرامه ( من أهله ) أي من بيته ولو كان قريبا من المواقيت ولا يلزمه الذهاب إليها ( وكذاك وكذاك ) أي الأدون فالأدون إلى آخر الحل ( حتى أهل مكة ) بالرفع والجر ذكره السيوطي .

[ ص: 1746 ] أي حتى أهل الحرم ( يهلون ) أي يحرمون بالحج ( منها ) أي من مكة توابعها من أرض الحرم قال الطيبي - رحمه الله - المهل موضع الإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية أي موضع الإحرام دل الحديث على أن المكي ميقاته مكة في الحج والعمرة والمذهب أن المعتمر يخرج إلى الحل لأنه - عليه الصلاة والسلام - أمر عائشة - رضي الله عنها - بالخروج فهذا الحديث مخصوص بالحج ، وأما قول ابن حجر وأفضل بقاع الحل الجعرانة : لأنه - عليه الصلاة والسلام - أحرم بها منها في رجوعه من حنين ثاني عشر القعدة سنة ثمان ليلا ورجع ليلا خفية ، ومن ثم أنكرها بعض الصحابة .

فمبني على مذهب الشافعي في أصوله من أن الفعل أقوى من القول ، خلاف مذهبنا المبني على أن الفعل قد يقع اتفاقيا بخلاف القول فإنه لا يكون إلا قصديا ، وبيانه أنه - عليه الصلاة والسلام - كان رجع من الطائف : والجعرانة على طريقه ، فإحرامه منه كان متعينا ، نعم لو خرج من مكة وأحرم منه لكان له وجه وجيه في كونه أفضل ونظيره إحرام علي من يلملم ، حيث كان على طريقه من اليمن والشيعة يخرجون من مكة إليه ، ويحرمون لديه وهو عكس الموضوع ، بل خلاف المشروع وأما من قال إن إحرامه - عليه الصلاة والسلام - في عمرة القضاء سنة سبع كان من الجعرانة فقد أخطأ ، بل كان من ذي الحليفة وكذا كان إحرامه من عام الحديبية ومن قال إنه هم بالاعتمار منها فقد وهم والله سبحانه أعلم ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية