صفحة جزء
2563 - وعن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - قال : قد حج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ، ثم طاف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة . ثم حج أبو بكر ، فإن أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة ، ثم عمر ، ثم عثمان مثل ذلك . متفق عليه .


2563 - ( وعن عروة بن الزبير - رضي الله عنها - قال : قد حج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ) أي : جدد الوضوء لما تقدم أنه كان يغتسل ، أو المراد معناه اللغوي ، وعلى كل فلا دلالة فيه على كون الطهارة شرطا لصحة الطواف ؛ لأن مشروعيتها مجمع عليها ، وإنما الخلاف في صحة الطواف بدونها ، فعندنا أنها واجبة ، والجمهور على أنها شرط ، وأما الاستدلال بقوله - عليه الصلاة والسلام : " والطواف بالبيت صلاة " إلا أن الله أباح فيه النطق فمدفوع ؛ لأن الحديث ضعيف ، مع أن المشبه بالشيء لا يستدعي المشاركة معه في كل شيء ، ألا ترى إلى جواز الأكل ، والشرب في الطواف بالإجماع مع عدم جوازهما في الصلاة من غير نزاع ، وأغرب ‌‌‌‌‌‌ابن حجر - رحمه الله - في قوله : ولم ينظر الجمهور إلى ضعف إسناد رفعه ؛ لأن غايته أنه قول صحابي ( رضي الله عنهم أجمعين ) ، وهو حجة على الصحيح ، ووجه غرابته على تقدير صحة حجته أنه لا يثبت بمثله إفادة شرطية ( ثم طاف بالبيت ) أي : طواف العمرة لكونه قارنا ، أو متمتعا ، وقال الطيبي - رحمه الله : أي طواف القدوم لتداخل الأفعال عند الشافعية للقارن ، وهذا وهم ؛ لأن كلا من المفرد ، والقارن يسن له طواف القدوم اتفاقا ، بل قال مالك : بوجوبه ، ولا يتصور طواف الركن حينئذ منهما ، إذ هو في حقهما إنما يدخل وقته بعد الوقوف إجماعا ، وطواف القدوم يفوت بالوقوف إجماعا ( ثم لم تكن ) بالتأنيث ، والتذكير ( عمرة ) أي : ثم لم يوجد منه بعد ذلك عمرة ، فإنه اكتفى بالعمرة المقرونة بالحج ، وقال الطيبي - رحمه الله : أي : يعني إفراد الحج ، [ ص: 1784 ] وفيه أنه إفراد الحج بدون العمرة بعد خلاف الأفضل عند الشافعي - رحمه الله - أيضا ، فكيف يحمل الحديث عليه ؟ وأما قول ابن حجر : ثم لم تكن منه عمرة حتى يوفي أعمالها من السعي والحلق ، بل اقتصر على الطواف ، كما تفيده رواية : ثم لم يكن غيره ، أي : الطواف ، فدل على أن طوافه لم يكن إلا للقدوم ، وهو لا يتصور إلا للمفرد ، وللقارن أفعال تتداخل ، وهو غير معتبر عندنا .

( ثم حج أبو بكر ) أي : بعده - عليه الصلاة والسلام - ( فكان أول شيء ) بالرفع ( بدأ به ) الطواف بالبيت ، ثم لم تكن عمرة ، ثمعمر ، ثم عثمان - رضي الله تعالى عنهم - مثل ذلك ) بالنصب أي : فعلا مثل ذلك ، وفي نسخة بالرفع ، أي : فعلهما مثل ذلك ، والحاصل أن ما وقع منهم جميعهم عمرة مفردة بعد حجهم ، ولذا قال بعض الحفاظ : إن الخروج من مكة للعمرة لم يثبت إلا عن عائشة - رضي الله عنها - لضرورة رفض عمرتها ، ثم إتيان قضائها ، والله تعالى أعلم . ( متفق عليه ) .

قال بعض الشراح للمصابيح من علمائنا : قوله : ثم لم تكن عمرة ، كذا في كتاب البخاري ، ومعناه لم يحلوا من إحرامهم ذلك ، ولم يجعلوها عمرة ، ثم يحتمل أن يكون هذا من قول عائشة - رضي الله عنها ، ويحتمل أن يكون من قول عروة ، والذي يدل عليه نسق الكلام أنه من قول عروة ، وأما قوله : ثم حج أبو بكر - رضي الله عنه - إلى تمام الحديث ، فإنه من قول عروة من غير تردد لما في سياق حديث مسلم - رحمه الله ، فإنه ذكر الحديث بطوله ، وفيه : ثم حج عثمان - رضي الله عنه - وروايته : أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام ، وكان أول شيء بدأ به الطواف ، وبه اندفع قول ابن حجر - رحمه الله : الصواب أن الكل من قول عائشة - رضي الله عنها : إلا أن يصح بذلك نقل من خارج ، وفي كتاب مسلم : " ثم لم يكن غيره " مكان : " ثم لم يكن عمرة " ومعناه لم يكن هناك تحلل بالطواف من الإحرام ، بل أقاموا على إحرامهم حتى نحروا هديهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية