صفحة جزء
2650 - وعن أنس - رضي الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى منى ، فأتى الجمرة ، فرماها ، ثم أتى منزله بمنى ، ونحر نسكه ، ثم دعا بالحلاق ، وناول الحالق شقه الأيمن ، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري ، . فأعطاه إياه ، ثم ناول الشق الأيسر ، فقال : " احلق " فحلقه ، فأعطاه أبا طلحة ، فقال : " اقسمه بين الناس " . متفق عليه .


2650 - ( عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى منى ، فأتى الجمرة ) : أي : جمرة العقبة ( فرماها ، ثم أتى بمنزله بمنى ) : وهو الآن يسمى مسجد الخيف . قال ابن حجر : هو ما بين مسجد الخيف ، ومحل نحره المشهور على يمين الذاهب إلى عرفة ( ونحر نسكه ) : بسكون السين ، ويضم جمع نسيكة ، وهي الذبيحة ، والمراد بدنه - عليه الصلاة والسلام ، وقد نحر بيده ثلاثا وستين ، وأمر عليا أن ينحر بقية المائة ( ثم دعا بالحلاق ) : وهو المزين ، قال الطيبي - رحمه الله : هو معمر بن عبد الله العدوي ، وقيل : غيره ( وناول الحالق شقه ) : أي : جانبه ( الأيمن ) : أي : من الرأس ( فحلقه ) : قال الطيبي - رحمه الله : دل على أن المستحب الابتداء بالأيمن ، وذهب بعضهم إلى أن المستحب الأيسر اهـ . أي : ليكون أيمن الحالق ، ونسب إلى أبي حنيفة إلا أنه رجع عن هذا ، وسبب ذلك قاس أولا يمين الفاعل ، كما هو المتبادر من التيامن ، ولما بلغه أنه - عليه الصلاة والسلام - اعتبر يمين المفعول ، رجع عن ذلك القول المبني على المعقول إلى صريح المنقول ، إذا لحق بالاتباع أحق ، ولو وقف الحالق خلف المحلوق أمكن الجمع بين الأيمنين .

( ثم دعا أبا طلحة الأنصاري ) : هو عم أنس وزوج أمه أم سليم ، وكان له - عليه الصلاة والسلام - بأبي طلحة ، وأهله مزيد خصوصية ومحبة ليست لغيرهم من الأنصار ، وكثير من المهاجرين الأبرار - رضوان الله عليهم أجمعين ، وهو الذي حفر قبره الشريف ولحد له وبنى فيه اللبن ، وخصه بدفنه لبنته أم كلثوم وزوجها عثمان حاضر ، [ ص: 1831 ] ( فأعطاه ) : أي : أبا طلحة ( إياه ) : أي : الشعر المحلوق ( ثم ناول ) : أي : الحالق ( شقه الأيسر ) : وفي نسخة صحيحة : الشق الأيسر ( فقال ) : بلسان القال ، أو الحال ( احلق " فحلقه ، فأعطاه أبا طلحة ، فقال : " اقسمه " : أي : المجموع ( بين الناس ) دل على طهارة شعر الآدمي خلافا لمن شذ ، وأن يتبرك بأشعاره - عليه الصلاة والسلام - وباقي أثاره . ( متفق عليه ) .

قال ابن الهمام : أخرج الجماعة إلا ابن ماجه ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى منى ، فأتى الجمرة ، فرماها ، ثم أتى منزله بمنى ، فنحر ، ثم قال للحلاق : خذ ، وأشار إلى جانبه الأيمن ، ثم الأيسر ، ثم جعل يعطيه الناس ، وهذا يفيد أن السنة في الحلق : البداءة بيمين المحلوق رأسه ، وهو خلاف ما ذكر في المذهب ، وهذا هو الصواب اهـ .

وقال السروجي : وعند الشافعي يبدأ بيمين المحلوق ، وذكر كذلك بعض أصحابنا ، ولم يعز إلى أحد ، والسنة أولى ، وقد أخذ الإمام بقول الحلاق ، ولم ينكره ، ولو كان مذهبه خلافه لما وافقه ، وفي منسك ابن العجمي والبحر : هو المختار ، وقال في " النخبة " : هو الصحيح ، وقد روي رجوع الإمام عما نقل عنه الأصحاب ؛ لأنه قال : أخطأت في الحج في موضع كذا وكذا ، وذكر منه البداءة بيمين الحالق ، فصح تصحيح قوله الأخير ، وقد ذكر ابن حجر أنه يسن أن يقلم بعد الحلق ، أو التقصير أظفاره للاتباع ، كما صح عنه - عليه الصلاة والسلام ، وكان ابن عمر يأخذ من لحيته وشاربه . أقول : وهو الملائم لقوله - تعالى : ثم ليقضوا تفثهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية