صفحة جزء
10 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( والذي نفس محمد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم .


10 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ) : مر ذكره [ ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( والذي ) ] أي : والله الذي [ ( نفس محمد ) ] أي روحه ، وذاته ، وصفاته ، وحالاته ، وإرادته ، وحركاته ، وسكناته [ ( بيده ) ] أي كائنة بنعمته ، وحاصلة بقدرته ، وثابتة بإرادته ، ووجه استعارة اليد للقدرة أن أكثر ما يظهر سلطانها في أيدينا ، وهي من المتشابهات ، ومذهب السلف فيها تفويض علمه إلى الله تعالى مع التنزيه عن ظاهره ، وهو أسلم حذرا من أن يعين له غير مراد له تعالى ، ويؤيده وقف الجمهور على الجلالة في قوله تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله ) وعدوه وقفا لازما ، وهو ما في وصله إيهام معنى فاسد ، ومن ثم قال أبو حنيفة - رحمه الله - : تأويل اليد بالقدرة يؤدي إلى تعطيل ما أثبته تعالى لنفسه ، وبها الذي ينبغي الإيمان بما ذكره الله تعالى من ذلك ونحوه على ما أراده ، ولا يشتغل بتأويله فنقول : له يد على ما أراده لا كيد المخلوقين ، ومذهب الخلف فيها تأويله بما يليق بجلال الله تعالى وتنزيهه عن الجسم والجهة [ ص: 77 ] ولوازمها بناء على أن الوقف على " الراسخون " في العلم . وكان ابن عباس يقول : " أنا أعلم تأويله ، وأنا من الراسخين في العلم . قيل : وهذا أعلم وأحكم أي : يحتاج إلى مزيد علم وحكمة حتى يطابق التأويل سياق ذلك النص ، وليس المعنى أن مذهب الخلف أكثر علما ، فالمذهبان متفقان على التنزيه ، وإنما الخلاف في أن الأولى ماذا ، أهو التفويض أم التأويل ؟ ويمكن حمل الخلاف على اختلاف الزمان ، فكان التفويض في زمان السلف أولى ؛ لسلامة صدورهم وعدم ظهور البدع في زمانهم ، والتأويل في زمان الخلف أولى ؛ لكثرة العوام وأخذهم بما يتبادر إلى الأفهام ، وغلو المبتدعة بين الأنام ، والله أعلم بالمرام . ثم هو قسم ، جوابه [ ( لا يسمع بي ) ] : وكان الأصل أن يقول : والذي نفسي ، لكنه جرد من نفسه النفيسة من اسمه محمد وهو هو ؛ ليكون أبلغ وأوقع في النفس ، ثم التفت من الغيبة إلى التكلم تنزيلا من مقام الجمع إلى التفرقة ، ومن الكون مع الحق إلى الاشتغال بدعوة الخلق ، والانتقال من خزانة الكمال إلى منصة التكميل . قال العارف السهروردي : الجمع اتصال لا يشاهد صاحبه إلا الحق ، فمتى شاهد غيره فما ثم جمع ، فقوله : " آمنا بالله " جمع ، و " ما أنزل إلينا " تفرقة . وقال الجنيدي قدس الله سره ، - ويسمى سيد الطائفة ؛ لأنه لم ينطق قط بما لا يطابق الكتاب والسنة - : القرب بالوجد جمع ، وغيبته في البشرية تفرقة ، وكل جمع بلا تفرقة زندقة ، وكل تفرقة بلا جمع تعطيل . ثم قيل : الباء زائدة ، أو بمعنى " من " ، والأظهر أنها لتأكيد التعدية كما في قوله تعالى : ( ما سمعنا بهذا ) أو ضمن معنى الإخبار أي : ما يسمع مخبرا ببعثي ، وحاصل المعنى لا يعلم رسالتي [ ( أحد ) ] أي : ممن هو موجود أو سيوجد " [ ( من هذه الأمة ) ] أي : أمة الدعوة ، و " من " تبعيضية ، وقيل : بيانية [ ( يهودي ولا نصراني ) ] : صفتان لـ " أحد " - وحكم المعطلة وعبدة الأوثان يعلم بالطريق الأولى - أو بدلان عنه ، بدل البعض من الكل ، وخصا لأن كفرهما أقبح ، وعلى كل لا زائدة لتأكيد الحكم [ ( ثم يموت ) ] : فيه إشارة إلى أنه ولو تراخى إيمانه ووقع قبل الغرغرة نفعه [ ( ولم يؤمن بالذي أرسلت به ) ] أي : من الدين المرضي ، والجملة حال أو عطف [ ( إلا كان ) ] أي : في علم الله ، أو بمعنى يكون ، وتعبيره بالمضي لتحقق وقوعه ، وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال [ ( من أصحاب النار ) ] أي ملازميها بالخلود فيها ، وأما الذي سمع وآمن فحكمه على العكس ، وأما الذي لم يسمع ولم يؤمن فهو خارج عن هذا الوعيد ، ثم اعلم أن " لا " في : " لا يسمع " بمعنى " ليس " ، و " ثم يموت " عطف على " يسمع " المثبت ، " ولم يؤمن " عطف على يموت ، أو حال من فاعله وليس لنفي هذا المجموع ، وتقديره : ليس أحد يسمع به ثم يموت ولم يؤمن ، أو غير مؤمن كائنا من أصحاب شيء إلا من أصحاب النار . ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية