صفحة جزء
2664 - وعن أنس - رضي الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، ثم رقد رقدة بالمحصب ، ثم ركب إلى البيت ، فطاف به ، رواه البخاري .


2664 - ( وعن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، ثم رقد رقدة ) : أي : نام نومة خفيفة ( بالمحصب ) : بفتح الصاد المشددة ، تنازع في الجار والمجرور صلى ورقد ، وهو في الأصل كل موضع كثر حصاؤه ، والمراد الشعب الذي أحد طرفيه منى ، والآخر متصل بالأبطح . وينتهي عنده ، ولذلك لم يفرق الراوي بينهما ، فروي في هذا الحديث أنه صلى بالمحصب ، وفي حديثه الآخر أنه صلى بالأبطح ، ويقال له البطحاء .

قال ابن الهمام ، قال في الإمام : وهو موضع بين مكة ومنى ، وهو إلى منى أقرب ، وهذا لا تحديد فيه أي : لا تحقيق له ، وقال غيره : هو فناء مكة وحده ما بين الجبلين المتصلين بالمقابر إلى الجبال المقابلة لذلك مصعدا في الشق الأيسر ، وأنت ذاهب إلى منى مرتفعا من بطن الوادي ، وليست المقبرة من المحصب ، ويسمى أيضا خيف بني كنانة ، وأصل الخيف معناه سفح الجبل مطلقا . ( ثم ركب ) : أي : من المحصب متوجها ( إلى البيت ، فطاف به ) : أي : طواف الوداع يحتمل راكبا وماشيا ( رواه البخاري ) .

قال الطيبي - رحمه الله : التحصيب هو أنه إذا نفر من منى إلى مكة للتوديع ; ينزل بالشعب الذي يخرج به إلى الأبطح ، ويرقد فيه ساعة من الليل ، ثم يدخل مكة ، وكان ابن عمر يراه سنة ، وهو الأصح . قال ابن الهمام : يحترز به عن قول من قال : لم يكن قصدا ، فلا يكون سنة لما أخرج البخاري ، عن ابن عباس قال : ليس التحصيب بشيء ، إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخرج مسلم ، عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لم يأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ، ولكن جئت ، وضربت قبته فجاء فنزل ، ووجه المختار ما أخرجه الجماعة من أسامة بن زيد ، قال : قلت : يا رسول الله ، أين تنزل غدا في حجتك ؟ فقال : " هل ترك لنا عقيل منزلا " ثم قال : " نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر " يعني : المحصب ، الحديث .

[ ص: 1840 ] وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بمنى : نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة ، حيث تقاسموا على الكفر " وذلك أن قريشا وبني كنانة تحالفت على بني هاشم ، وبني المطلب ، أن لا يناكحوهم ، ولا يبايعوهم ، حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني بذلك المحصب اهـ .

فثبت بهذا أنه نواه قصدا ليرى لطف صنع الله به ، وليتذكر فيه نعمه - سبحانه - عليه عند مقايسته نزوله به الآن إلى حاله قبل ذلك ، أعني حال انحصاره من الكفار في ذات الله - تعالى ، وهذا أمر يرجع إلى معنى العبادة ، ثم هذه النعمة التي شملته - عليه الصلاة والسلام - من النصر ، والاقتدار على إقامة التوحيد ، وتقرير قواعد الوضع الإلهي الذي دعا الله - تعالى - إليه عباده ; لينتفعوا به في دنياهم ، ومعادهم ، لا شك في أنها النعمة العظمى على أمته ، لأنهم مظاهر المقصود من ذلك المؤيد ، وكل واحد منهم جدير بتفكرها ، والشكر التام عليها ؛ لأنه عليه أيضا ، فكان سنة في حقهم ; لأن معنى العبادة في هذا يتحقق في حقهم أيضا ، وعن هذا حصب الخلفاء الراشدون . أخرج مسلم ، عن ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يعرفون الأبطح ، وأخرج عنه أيضا أنه كان يرى التحصيب سنة ، وكان يصلي الظهر يوم النفر بالمحصب ، قال نافع : قد حصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده اهـ . وعلى هذا الوجه لا يكون كالرمل ، ولا على الأول ؛ لأن الإراءة لم يلزم أن يراد بها إراءة المشركين ، ولم يكن بمكة مشرك عام حجة الوداع ، بل المراد المسلمين الذين كان لهم علم بالحال الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية