صفحة جزء
[ ص: 1846 ] ( 11 ) باب ما يجتنبه المحرم

الفصل الأول

2678 - عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال : " لا تلبسوا القمص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ولا البرانس ، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران ولا ورس " متفق عليه ، وزاد البخاري في رواية : " ولا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين " .


( 11 ) باب ما يجتنبه المحرم

أي : من المحظورات ، يعني : وما لا يجتنبه من المباحات .

الفصل الأول

2678 - ( عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما يلبس المحرم ) : من لبس بكسر الباء يلبس بفتحها لبسا بضم اللام ، لا من لبس بفتح يلبس بكسرها لبسا بالفتح فإنه بمعنى الخلط ، ومنه قوله - تعالى : ولا تلبسوا الحق بالباطل وإنما ذكرته مع كمال وضوحه ، لأن كثيرا من الطلبة لا يفرقون بينهما فيقعون في اللبس للالتباس . قال الطيبي - رحمه الله : أي : عما يلبس ، أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فإن ( سأل ) يتعدى إلى الثاني بعن وإلى الأول بنفسه ، وقد ينعكس ، والأول أشهر وأكثر لقوله - تعالى - : يسألونك عن الأهلة و عن المحيض عن الأنفال ويجوز أن يكون " ما " استفهامية أي : سألته ما هذه المسألة ، ومنه قوله - تعالى : يسألونك ماذا ينفقون ( من الثياب ) ؟ أي : من أنواع الثياب وهو بيان والمعنى سئل عما يحل للمحرم من اللباس وما يحرم ( فقال : " لا تلبسوا ) : أي : أيها المحرمون أو مريدو الإحرام من الرجال ( القمص ) بضمتين جمع قميص . قال الطيبي - رحمه الله : أجاب بما يحرم لبسه لأنه منحصر ( ولا العمائم ) : جمع العمامة بكسر العين ( ولا السراويلات ) : جمع أو جمع الجمع ( ولا البرانس ) : بفتح الموحدة وكسر النون جمع البرنس بضمهما . قال الطيبي - رحمه الله : هو قلنسوة طويلة كان يلبسها النساك في صدر الإسلام قال الجوهري ، وفي النهاية : ثوب يكون رأسه ملتزقا من جبة أو ذراعه اهـ . والمراد مطلق القلنسوة ، وكل ما يغطي الرأس إلا ما لا يعد من اللبس عرفا كوضع الإجانة ، وحمل العدل على الرأس . ( ولا الخفاف ) : بكسر الخاء جمع خف . قال ابن المنذر : أجمع العلماء على منع المحرم من لبس شيء بما ذكر في هذا الحديث . ( إلا أحد ) : بالرفع على البدلية من واو الضمير ( لا يجد نعلين فيلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ) : أي : اللذين وسط القدمين خلافا للشافعي - رحمه الله - حيث قال : المراد بالكعبين هنا المراد بهما في الوضوء " ولا تلبسوا " : نكتة الإعادة - والله - تعالى - أعلم - اشتراك الرجال والنساء في هذا الحكم إما على وجه التغليب أو على التبعية . ( من الثياب ) : بيان قدم على المبين هو ( شيئا ) : صفته ( مسه ) : أي : صبغه ( زعفران ) : لما فيه من الطيب ( ولا ورس ) : وهو نبت أصفر مشابه للزعفران يصبغ به ، وفي معناه العصفر ( متفق عليه ، وزاد البخاري في رواية : " ولا تنتقب ) : نفي أو في من باب التفعل أو الافتعال أي : لا تستر وجهها بالبرقع والنقاب ( المرأة المحرمة ) ولو سدلت على وجهها شيئا مجافيا جاز ، وتغطية وجه الرجل حرام كالمرأة عندنا ، وبه قال مالك وأحمد - رحمهم الله - في رواية خلافا للشافعي - رحمه الله - ( ولا تلبس ) : بالوجهين أي : المرأة المحرمة ( القفازين ) : القفاز بضم القاف وتشديد الفاء وبالزاي ، شيء تلبسه نساء العرب في أيديهن يغطي الأصابع والكف والساعدين من البرد ، ويكون فيه قطن محشو ، ذكره الطيبي . وقيل : يكون له أزرار يزر على الساعد .

قال ابن الهمام : أخرج الستة عن ابن عمر قال رجل : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام ؟ قال : ( لا تلبسوا القمص ، ولا السراويلات ، ولا العمائم ، ولا البرانس ، ولا الخفاف ، إلا أن يكون [ ص: 1847 ] أحد ليس له نعلان فيلبس الخفين ، فليقطع أسفل من ( الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا ورس ) . زادوا إلا مسلما وابن ماجه : " ولا تنتقب " المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين قيل : قوله : ولا تنتقب المرأة إلى آخره مدرج من قول ابن عمر ، ودفع بأنه خلاف الظاهر ، وكأنه نظر إلى الاختلاف في وقفه ورفعه ، فإن بعضهم رواه موقوفا ، لكنه غير قادح ، إذ قد يفتي الراوي بما يرويه من غير أن يسنده أحيانا ، مع أن هنا قرينة على الرفع ، وهي أنه ورد إفراد النهي عن النقاب من رواية نافع ، عن ابن عمر ، أخرج أبو داود عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين " . ولأنه قد جاء النهي عنهما في صدر الحديث . أخرج أبو داود كما سيأتي في أول الفصل الثالث . قال النووي - رحمه الله : والحكمة في تحريم اللباس المذكور وإباحة الإزار والرداء ; هي أن يبعد عن الترفه ويتصف بصفة الخاشع الذليل ، وليكون على ذكره دائما أنه محرم ، فيكثر الدعاء ، ولا يفتر عن الأذكار ، ويصون نفسه عن ارتكاب المحظورات ، وليتذكر به الموت ولبس الأكفاء ، والبعث يوم القيامة حفاة عراة مهطعين إلى الداع ، والحكمة في تحريم الطيب والنساء أن يبعد عن التنعم وزينة الدنيا وملاذها ، إذ الحاج أشعث أغبر ، وأن يجمع همه لمقاصد الآخرة ، والحكمة في تحريم الصيد تعظيم بيت الله وحرمة من قتل صيده وقطع شجره .

ثم اختلف العلماء في هذا الحديث ونحوه قال أحمد : يجوز لبس الخفين بحالهما ، ولا يجب قطعهما إذا لم يجد النعلين بحديث ابن عباس ، وكان أصحابه يزعمون نسخ حديث ابن عمر المصرح بقطعهما ، وزعموا إلى قطعهما إضاعة مال ، وقال جماهير العلماء : لا يجوز لبسهما إلا بعد قطعهما أسفل من الكعبين ، وحديث ابن عمر مقيد ، والمطلق محمول على المقيد ، والزيادة من الثقة مقبولة . وقوله : إنه إضاعة مال ليس بشيء ، لأن الإضاعة إنما تكون فيما نهي عنه ، وأما ما أمر به فليس بإضاعة ، بل حق يجب الإذعان له .

ثم اختلفوا في لابس الخفين لعدم النعلين هل يجب عليه فدية أم لا ؟ فقال مالك والشافعي - رحمهم الله - ومن وافقهما : لا شيء عليه لأنه لو وجب به فيه لبينها - عليه الصلاة والسلام - . وقال أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله : عليه الفدية كما إذا احتاج إلى حلق الرأس فيحلقه ويفدي ، وقد سبق ما فيه من التحقيق ، والله ولي التوفيق . ثم نحو الهودج إن مس الرأس فمحظور وإلا فلا . وكذا أستار الكعبة وسقف الخيمة .

وأما ما جاء عن أن عمر - رضي الله عنه ، ما ضرب فسطاطا في سفر حجه ، وعن ابنه أنه أمر من استظل على بعير بأن يبرز للشمس ، وعنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " ما من محرم يضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه " ، فلا متمسك في ذلك لمنع مالك وأحمد الاستظلال ، للإجماع على جواز جلوسه في خيمة وتحت سقف ، ولأن ما جاء عن عمر ، وعن ابن عمر لا نهي فيه ، أو مذهب صحابي ، والخبر ضعيف مع أنه في فضائل الأعمال . وأما قول ابن حجر : على أن خبر مسلم مقدم على كل ما خالفه ، وهو أنه - عليه الصلاة والسلام - ستر بثوب من الحر حتى رمى جمرة العقبة ، ففيه أنه لا دلالة فيه صراحة أنه كان حال إحرامه ، ومع الاحتمال لا يصح الاستدلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية