صفحة جزء
( 15 ) باب حرم المدينة - حرسها الله - تعالى -

الفصل الأول

2728 - عن علي - رضي الله عنه - قال : ما كتبنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا القرآن وما في هذه الصحيفة . قال : قال رسول الله : المدينة حرام ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل منه صرف ولا عدل ، ذمة المسلمين يسعى بها أدناهم ، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل ، ومن والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل " . متفق عليه . وفي رواية لهما : " من ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل " .


[ 15 ] باب حرم المدينة

علم أن للمدينة حرمة ، عندنا لا حرم لمكة خلافا للأئمة الثلاثة ، فعندهم يحرم صيدها وقطع شجرها ، وعندنا لا يحرم ذلك . قال في الكافي : لأن حل الاصطياد عرف بالنصوص القاطعة ، فلا يحرم إلا ببراهن ساطعة ومرويهم محتمل وهو لا يصلح حجة ( حرسها الله - تعالى - ) .

الفصل الأول

2728 - ( عن علي - رضي الله عنه - قال : ما كتبنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا القرآن وما في هذه الصحيفة . قال ) : أي علي : تفسيرا لما في الصحيفة ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " المدينة حرام ) : أي : محترم ممنوع مما يقتضي إهانة الموضع المكرم ، وعند الشافعية الحرام بمعنى الحرم ( ما بينعير ) : بفتح العين وسكون الياء ( وثور ) : بفتح المثلثة وسكون الواو ، جبلان على طرفي المدينة ، وقيل الأول معروف بالمدينة ، وأما الثاني فالمعروف أنه بمكة ، وفيه الغار الذي توارى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية : ما بين عير وأحد ، فيكون ثور غلطا من الراوي ، وإن كان هو الأشهر في الرواية ، وقيل : إن عيرا جبل بمكة أيضا ، فالمعنى أن حرم المدينة بمقدار ما بين عير وثور حرم كحرمة ما بينهما ، وبمكة جبل يقال له : عير عدوي ، وجبل يقال له ثور أطحل ، وقيل : يحتمل أنه أراد بهما الحرمتين للحديث الصحيح أنه قال : " حرم ما بين لابتي المدينة على لساني " فشبه إحدى الحرمتين بعير لنتو وسطه ونشوزه ، والأخرى بثور لامتناعه تشبيها بثور الوحش ، أو أراد بهما مأزمي المدينة فشبههما بعير وثور ، وفي الحديث : " حرام ما بين مأزميها " وما شعبتان تكتنفانها ، فشبههما بالجبلين اللذين بمكة ، كذا حققه بعض علمائنا من الشراح . ( فمن أحدث ) : أي : أظهر ( فيها ) : أي في المدينة ( حدثا ) : أي : منكرا أو بدعة ، وهي ما خالف الكتاب والسنة ( أو آوى ) : بالمد ويقصر ( محدثا ) : بكسر الدالة على الرواية الصحيحة أي : مبتدعا ، وقيل : أي : جانبا بأن يحول بينه وبين خصمه أن يقتص منه ، ويروى بفتح الدال أي أمرا مبتدعا وإيواؤه الرضاء به والصبر عليه ( فعليه ) : أي : فعلى كل منهما ( لعنة الله ) : أي : طرده وإبعاده ( والملائكة ) : أي : دعاؤهم عليه عن رحمته ( والناس أجمعين ) : أي : ممن عد المحدث والمؤوي ، أو هما داخلان أيضا لأنهما ممن يقول : [ ص: 1872 ] ألا لعنة الله على الظالمين ، والظلم هو وضع الشيء غير موضعه . ( لا يقبل منه ) : أي قبولا كاملا ( صرف ) : أي فرض أو نافلة أو توبة أو شفاعة ( ولا عدل ) ، أي نافلة أو فرضة أو فدية ، لأنها تعادل المفدى ، وقيل : شفاعة ، وقيل : توبة ( ذمة المسلمين ) : أي : عهدهم وأمانهم ( واحدة ) : أي : إنها كالشيء الواحد لا يختلف باختلاف المراتب ، ولا العاقد بها ، وكان الذي ينقض ذمة أخيه كالذي ينقض ذمة نفسه ، وهي ما يذم الرجل على إذاعته من عهد وأمان ، كأنهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكي بعضه اشتكي كله . ( يسعى بها ) : أي : يتولاها ويلي أمرها ( أدناهم ) أي أدنى المسلمين مرتبة ، والمعنى أن ذمة المسلمين واحدة سواء صدرت من واحد أو أكثر شريف أو وضيع .

قال الطيبي - رحمه الله : فإذا أحد من المسلمين آوى كافرا لم يحل لأحد نقضه ، وإن كان المؤوى عبدا ، وأما إمامنا الأعظم فلم يعتبر أمان العبد كما هو مقرر فمحله الأهم . ( فمن أخفر مسلما ) : بالخاء المعجمة أي نقض عهده وأمانه للكافر ، بأن قتل ذلك الكافر أو أخذ ماله ، وحقيقته إزالة خفرته أي : عهده وأمانه ( فعليه لعنة الله والملائكة ) : أي الكرام الكاتبين ، أو كلهم أجمعين لكراهتهم العاصين ( والناس أجمعين ) : وكذا على من اقتدى به أو رضي بفعله ، فتكون اللعنة عليهم في الدنيا والعقبى ، ( لا يقبل منه ) : أي من المخفر ( صرف ولا عدل ) : كما تقدم ( ومن والى قوما ) : بأن يقول معتق لغير معتقه : أنت مولاي ( بغير إذن مواليه ) ، ليس لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره عليه ، بل بني الأمر فيه على الغالب ، وهو أنه إذا استأذن مواليه لم يأذنوا له .

قال الطيبي - رحمه الله : قيل : أراد به ولاء المولاة لا ولاء العتق ، كمن انتسب إلى غير أبيه ، وقوله : بغير إذن مواليه تنبيه على المانع ، وهو إبطال حقهم وأمانتهم ، وإيراد الكلام على ما هو الغالب لا تقييد حتى يجوز الانتساب بالإذن . ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل فيه صرف ولا عدل . متفق عليه ) هو يفيد أن عليا ما كتب شيئا غير القرآن وما في هذه الصحيفة . وفي مسند أحمد ، عن أبي حسان أن عليا كان يأمر بالأمر فيؤتى ، فيقال : قد فعلنا كذا وكذا . فيقول صدق الله ورسوله . قال : فقال له الأشتر : إن هذا الذي تقول تفشغ في الناس ، أهو شيء عهده إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : ما عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون الناس إلا شيئا جمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي . قال : فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة ، فإذا فيها : " من أحدث حدثا " : الحديث . قال النووي - رحمه الله : هذا تصريح من علي بإبطال ما يزعمه الشيعة ويفترونه من قولهم : إن عليا أوصى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخلافة وأسرار أخر ، وخص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم ، فهذه دعاوي باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها ، ويكفي في إبطاله قول علي هذا ، وفيه دليل على استحباب كتابة العلم ، ومعنى تفشغ بالفاء والشين والغين المعجمتين ; أي : ظهر وانتشر على ما في النهاية .

( وفي رواية لهما : " من ادعى ) : أي انتسب ( إلى غير أبيه ) ، أي : المعروف ( أو تولى غير مواليه ) : هذا العطف يؤيد من فسر الموالاة بولاء العتاقة ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل ) جمع بينهما بالوعيد ، فإن العتق من حيث إنه لحمة كلحمة النسب ، فإذا نسب إلى غير من هو له كان كالدعي الذي يتبرأ عمن هو منه ، وألحق نفسه بغيره ، فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والإبعاد عن الرحمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية