صفحة جزء
2729 - وعن سعد - رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إني أحرم ما بين لابتي المدينة : أن يقطع عضاهها ، أو يقتل صيدها " وقال : " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، ولا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله بها من هو خير منه ، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة " . رواه مسلم .


2729 - ( وعن سعد ) : أي ابن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إني أحرم ) : أي أعظم أو أمنع ( ما بين لابتي المدينة ) : أي : جانبيها من الجبال ، قيل : اللابة الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود كأنها أحرقت بالنار ، وأراد بهما حرتين تكتنفانها ( أن يقطع ) : بدل اشتمال من المفعول [ ص: 1873 ] ( عضاهها ) : جمع عضة بحذف الهاء الأصلية ، كما في شفة ، وهي كل شجر عظيم له شوك ( أو يقتل صيدها ) : حمله أصحابنا على النهي التنزيهي كما سيجيء ( وقال : " المدينة خير لهم ) : أي لأهلها من المؤمنين في الدنيا والأخرى ، وذلك مطلق إن كان قبل الفتح ، ومقيد بغير مكة إن كان بعده ، أو المراد بالخيرية من جهة بركة المعيشة ، فلا ينافي بركة الفضيلة الزائدة الثابتة لمكة بالأحاديث الصحيحة الصريحة ، ( ولو كانوا يعلمون ) : أي : ما فيها من الخير لما فارقوها وما اختاروا غيرها عليها ، وما تجولوا للتوسعة في الدنيا . ( لا يدعها ) استئناف مبين ، أي لا يتركها ( أحد رغبة عنها ) : إعراضا ، احترازا من تركها ضرورة ( إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ) ، والمعنى أنه لا يضر المدينة عدمه ، بل ينفعها فقده ، وذهب إلى غيرها شره ، ونظيره قوله - تعالى : وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم قيل : هذا الإبدال في زمنه - عليه الصلاة والسلام - والظاهر أنه مطلق وشامل لجميع الأحوال والأيام ( ولا يثبت أحد ) : أي : بالصبر ( على لأوائها ) : بسكون الهمزة الأولى ويبدل أي : شدة جوعها ( وجهدها ) : بفتح الجيم وضمها أي : مشقتها مما يجد فيه من شدة الحر وكربة الغربة وأذية من فيها من أهل البدعة لأهل السنة .

قال الجوهري : اللأواء : الشدة ; لكن المراد هنا ضيق المعيشة والقحط لما في أكثر الروايات على لأوائها وشدتها ، فلا بد من الاختلاف في معناها وإن كان يمكن أن يكون العطف تفسيريا وتأكيدا لأن التأسيس أولى ، والأصل في العطف التغاير . ( إلا كنت له شفيعا أو شهيدا ) : قيل : أو شك من الراوي ، وهو بعيد جدا ، لأن كثيرين من الصحابة رووه كذلك ، ويبعد اتفاقهم على الشك ، وقيل : تقسيم أي : شفيعا للعاصي شهيدا للمطيع ، أو شهيدا لمن مات في زمانه شفيعا لمن مات بعده ، وقيل : " أو " بمعنى الواو . ( يوم القيامة ) . وفيه إشارة إلى بشارة حسن الخاتمة .

قال القاضي - رحمه الله - : وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين عامة ، وعلى شهادته لجميع الأمة ، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - في شهداء أحد " أنا شهيد على هؤلاء " ، فيكون تخصيصهم بذلك مزية مرتبة ورفعة منزلة . ( رواه مسلم ) . وفيه تنبيه أنه ينبغي للمؤمن أن يكون صابرا ، بل شاكرا على إقامته في الحرمين الشريفين ، ولا ينظر إلى ما فيما عداهما من النعم الصورية ; لأن العبرة بالنعم الحقيقية الأخروية لحديث : " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة " . ولحديث : " من صبر على حر مكة ساعة تباعد من نار جهنم مائتي سنة " . ونعم ما قال :

إذا لم يطب في طيبه عند طيب ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌ تطيب به الدنيا فأين تطيب



وقد قال عز وعلا : أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم وقال عز وجل : فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف وأصل الحياة الطيبة في وصول الرزق وحصول الأمن الذي به كمال الرفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية