صفحة جزء
2731 - وعنه قال : كان الناس إذا رأوا أول الثمرة جاءوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا أخذه قال : " اللهم بارك لنا في ثمرنا ، وبارك لنا في مدينتنا ، وبارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في مدنا ، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك ، وإني عبدك ونبيك ، وإنه دعاك لمكة وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه " . ثم قال : يدعو أصغر وليد له ، فيعطيه ذلك الثمر . رواه مسلم .


2731 - ( وعنه ) : أي عن أبي هريرة ( قال : كان الناس ) : أي الصحابة ( إذا رأوا أول الثمرة ) : وهو الذي يسمى الباكورة والأنموذج ( جاءوا به ) : أي : بأول التمر وفي نسخة " بها " والتأنيث اكتسب من المضاف إليه ( إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ) : أي طلبا للبركة فيما حدد الله به من النعمة ( فإذا أخذه قال : " اللهم بارك لنا في ثمرنا ) أي بركة حسية ومعنوية ( وبارك لنا في مدينتنا ) ، أي في ذاتها من جهة سعتها وسعة أهلها ، وقد استجاب الله دعاءه - عليه الصلاة والسلام - بأن وسع نفوس المسجد وما حوله من المدينة ، وكثر الخلق فيها ; حتى عد من الفرس المعد للقتال المهيأ بهما في زمن عمر أربعون ألف فرس ، والحاصل أن المراد بالبركة هنا ما يشمل الدنيوية والأخروية والحسية . ( وبارك لنا في صاعنا ) أي : فيما يكال به كمية وكيفية ( وبارك لنا في مدنا ) ; : وهو كيل دون الصاع ( اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك ) : آثره على رسولك ; لأن مقام النبوة يختص بالحق - تعالى - ولذا فضله ابن عبد السلام على مقام الرسالة ، يعني أن نبوة الرسول أفضل من رسالته ; لأن تلك تتعلق بالحق وهذه بالخلق .

وأما قول ابن حجر - رحمه الله : لكنه مردود ; لأن النبي الرسول أفضل من النبي غير الرسول ; لأن هذا فيه ما فيه ذاك ، وزيادة خطأ من وجهين في تعليله مع ما فيه من تعارض وتناقض بين نقلية أن الإجماع منعقد على أن الرسول أفضل من النبي الذي هو غير رسول ، بناء على أن النبي هو الذي أوحي إليه بشرع سواء أمر بتبليغه أم لا . والرسول هو المأمور بالتبليغ ، فالرسول جامع بين الوصفين من الكمال في نفسه والإكمال لغيره ، ولا شك أن التكميل أكبر مرتبة من الكمال في مقام التحصيل ، نعم النبوة من حيث إنه أخذ الفيض من الحق أفضل من الرحمة ، من حيث إنه إيصال له إلى الخلق ; ولذا قال بعض الصوفية : الولاية أفضل من النبوة بتأويل أن ولاية النبي ، وهو معنى النبوة أشرف من رسالته ، والتحقيق - والله ولي التوفيق - أن مرتبة الرسالة التي هي مقام جمع الجمع حيث لا تحجبه الكثرة عن الوحدة ، ولا تحجزه الوحدة عن الكثرة أتم وأكمل من النبوة التي هي مقام الجمع الصرف المتخلص عن مقام التفرقة ، بل قد يقال : النبي بمنزلة العابد المشتغل بحال نفسه ، والرسول في مرتبة العالم المجتهد في أمره وأمر غيره ، ويشهد له قوله - عليه الصلاة والسلام : ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) . ويؤيده حديث : " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " وإن تكلم في إسناده ، وأما ما ذهب إليه ابن الهمام - رحمه الله - تبعا لغيره في القول بالترادف بين النبي والرسول ، فيرده قوله - تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي وحديث أحمد في مسنده إن الرسل من الأنبياء ثلاثمائة وبضعة عشر جما غفيرا ( وإني عبدك ونبيك ) : ولعله ترك وحبيبك تواضعا منه - عليه الصلاة والسلام - أو نسيانا من الراوي ، أو وقع هذا قبل العلم بأنه حبيب ( وإنه دعاك لمكة ) : أي : بقوله : فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ( وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله ) : أي : بمثل ذلك المثل ( معه ) : والمعنى بضعف ما دعا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ( ثم قال ) : أي أبو هريرة ( يدعو ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - قال السيد جمال الدين في المصابيح قال : ثم يدعو ، وأظنه الصواب ( أصغر وليد ) : أي مولود ولو قنا . روي مكبرا وقيل مصغرا أي ولد صغير ( له ) قال في المفاتيح ، يعني إذا فرغ من الدعاء يدعو أصغر طفل من أهل بيته ، أو قيل من أمته ( فيعطيه ) : أي الولد ( ذلك الثمر ) : ليفرح ذلك الطفل .

قال الطيبي - رحمه الله - : وفي رواية : " ثم يعطي أصغر وليد يحضره من الولدان " اهـ . [ ص: 1875 ] وهو قابل التقييد والإطلاق ، ويمكن حمله على التعدد ، قيل : تخصيص الصغير لشدة فرح الولدان بالباكورة ، وفي أنها حديث العهد بالإيجاد ، وقيل : وفيه تنبيه على أن النفوس الكاملة لا ينبغي لها تناول شيء من أنواع الباكورة إلا بعدما يعم وجودها ويتم شهودها ، ويقدر كل أحد على أكلها .

قال الطيبي : وهذه الرواية مطلقة ، ما في المتن مقيد ، فإما أن يؤول ما في المتن ، وهو الأنسب ، أو يحمل المطلق على المقيد .

وقال عصام الدين - رحمه الله - في شرح الشائل ، وقوله : يدعو أصغر وليد ليستمد بسرور قلبه على إجابة دعائه ، وهذا ألطف مما قالوا من أن ذلك لشدة المناسبة بين الباكورة والوليد في قرب عهدهما من الإيجاد .

قلت : وفيه بحث مع أنه لا منع من الجمع قال : وفي بعض الروايات ثم يدعو أصغر وليد له ، ولعل قوله " له " متعلق بيدعو ، وليس قيدا للوليد أي : يدعو للتمر فلا يخالف هذه الرواية بالإطلاق والتقييد اهـ .

وبعده لا يخفى ، والتحقيق أن الروايتين محمولتان على الحالتين ، والمعنى أنه إذا كان عنده أو قريبا منه وليد له أعطاه ، أو وليد آخر من غير أهله أعطاه ، إذ لا شك أنهما لو اجتمعا لشارك بينهما ، نعم إذا لم يكن أحد حاضرا عنده فلا شبهة أنه ينادي أحدا من أولاد أهله ; لأنه أحق ببره من غيره . ( رواه مسلم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية