صفحة جزء
2739 - وعن جابر بن عبد الله أن أعرابيا بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد أقلني بيعتي ، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى . ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى فخرج الأعرابي فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها . ( متفق عليه ) .


2739 - ( وعن جابر بن عبد الله أن أعرابيا ) أي واحدا من أهل البادية قال الطيبي - رحمه الله - وكان ممن هاجر ( بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي على المقام عنده ( فأصاب الأعرابي وعك ) وأحب الخروج منها أو تشاءم بالبيعة لما حصل له من المحنة كقوله - تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف الآية ( فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا محمد أقلني بيعتي ) استعارة من إقالة البيع وهو إبطاله فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) قال الطيبي - رحمه الله - : وإنما أبى لأنه لا يجوز إقالة بيعة الإسلام ولا إقالة بيعة الإقالة معه اهـ . ولعل الأول لتضمنه الرضا بالكفر والتسبب له ، والثاني لاشتماله على هجران المهاجرة ( ثم جاءه ) أي ثانيا ( فقال أقلني بيعتي ) ظنا منه أنه يجوز قياسا له على البيع فإن الإقالة من مكارم الأخلاق في البيع ، ولذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة ( فأبى ) لأن الفرق بينهما بين [ ص: 1881 ] ( ثم جاءه فقال أقلني بيعتي فأبى فخرج ) أي من المدينة ( الأعرابي ) من غير إذنه - صلى الله عليه وسلم - ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما المدينة كالكير تنفي خبثها ) بفتحتين يعني ما تبرزه النار من الجواهر المعدنية التي تصلح للطبع فتخلصها بما تبرزه من ذلك ، وروي بضم الخاء وسكون الباء يعني به الشيء الخبيث قال الطيبي - رحمه الله - : والأول أشبه لمناسبة الكير ( وينصع ) بفتح الياء والصاد المهملة هو الرواية الصحيحة ، أي يصفو ويخلص ويتميز ( طيبها ) بفتح الطاء وكسر الياء المشددة على الرواية الصحيحة ، ويروى بكسر الطاء وضم الباء قال الطيبي - رحمه الله : والأول هو أقوم معنى ، لأنه ذكر في مقابلة الخبيث ، وأنه لا مناسبة بين الكير والطيب ، وقال بعض الشراح : روي بضم التاء وسكون النون وهي أشد الروايات لفظا ومعنى من نصع لونه نصوعا إذا اشتد بياضه وخلعي ، وأنصعه غيره على اللغة القياسية ، وفي معناه منصع بتشديد الصاد ، والرواية بالتشديد أكثر ، وطيبها بتشديد الياء وفتح الباء ; جعل مثل المدينة وما يصيب ساكنيها من الجهد والبلاء كمثل الكير وما يوقد عليه في النار ، فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب فيه أزكى ما كان وأخلص ، كما في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإنه أخرج أهل الكتاب وأظهر العدل والإحسان ، وفي التنزيل إشارة إلى هذا التأويل في حق الحق والباطل من جهة التمثيل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال

( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية