صفحة جزء
2766 - وعن جابر - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح ، وهو بمكة : إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام : فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ؟ فإنه تطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ فقال : " لا ، هو حرام " ثم قال عند ذلك " قاتل الله اليهود ، إن الله لما حرم شحومها أجملوه ، ثم باعوه فأكلوا ثمنه " متفق عليه .


2766 - ( وعن جابر أنه سمع النبي ) : وفي نسخة صحيحة : ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عام الفتح وهو بمكة ) : قال الطيبي قوله : وهو بمكة بعد قوله : عام الفتح نحو قولهم : رأيته بعيني وأخذته بيدي اهـ ، وهو غير صحيح كما لا يخفى ، لأنه لا يلزم في قوله عام الفتح أن يكون بمكة ; لاحتمال أن يكون بالمدينة أو بغيرها في ذلك العام ، نعم . المقصود منهما تحقيق السماع ، وتقريره ( أن الله ) : أي بالحقيقة ( ورسوله ) أي : بالمجاز والتبعية ( حرم بيع الخمر ) : أو المراد أن الله - تعالى - بين في كتابه حرمة الخمر وجعلها رجسا وحرم بيعها ، ورسوله أيضا بين حرمتها في أحاديثه وكذا معنى قوله : والميتة والخنزير والأصنام ) : أي وإن كانت من ذهب أو فضة ، وقال الطيبي - رحمه الله : وذكر الله - تعالى - قبل ذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم - توطئة لذكره إيذانا بأن تحريم الرسول بيع المذكورات لتحريم الله - تعالى - لأنه رسوله وخليفته ، ( فقيل : يا رسول الله أرأيت ) : أي : أخبرني [ ص: 1896 ] ( شحوم الميتة ؟ ) : أي : حكمها ( فإنها ) : أي : شحومها ، أو الضمير للقضية ، ويؤيده ما في نسخة صحيحة : فإنه بالتذكير على أن الضمير للشأن ( تطلى بها السفن ) : بضمتين جمع السفينة أي أخشابها ( ويدهن ) : بتشديد الدال ، وفي نسخة تشديد الهاء ، ( بها الجلود ، ويستصبح ) : بكسر الموحدة أي : ينور ( بها الناس ) : المصباح أو بيوتهم ، والمراد بالطلب المستفاد من السين أنهم لشدة احتياجهم إلى ذلك التنوير يسعون في تحصيلها ما أمكن ، ويجوز كون السين لمجرد التأكيد ( فقال " لا ) : أي : لا يجوز ذلك ( هو ) : أي الانتفاع به ( حرام ) : أي : ممنوع : قال الطيبي - رحمه الله : الضمير المرفوع راجع إلى مقدر بعد كلمة الاستخبار ، وكلمة ( لا ) رد لذلك المقدر ، وهو يحتمل أمرين أحدهما : أخبرني أيحل انتفاع شحوم الميتة ، والثاني : هو المراد : قال النووي - رحمه الله : معنى قوله : " لا هو حرام " لا تبيعوها فإن بيعها حرام ، فالضمير في ( هو ) يعود إلى البيع لا الانتفاع ، وهذا هو الصحيح عند الشافعي وأصحابه ، وعند الجمهور لا يجوز الانتفاع به في شيء من ذلك أصلا لعموم النهي ; إلا ما خص وهو الجلد المدبوغ ، فالصحيح من مذهبنا جواز الانتفاع بالأدهان المنجسة من الخارج كالزيت والسمن وغيرها بالاستصباح ونحوه ، بأن يجعل الزيت صابون أو يطعم العسل المتنجس النحل والميتة والكلاب والطعام والدواب ، وأجاز أبو حنيفة - رحمه الله - وأصحابه بيع الزيت النجس إذا بينه : قال العلماء : وفي عموم تحريم بيع الميتة أنه يحرم بيع جثة الكافر المقتول ، وفي الحديث أن نوفلا المخزومي قتل يوم الخندق ، فبذل الكفار في جسده عشرة آلاف درهم فلم يقبلها النبي - صلى الله عليه وسلم .

( ثم قال ) : أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( عند ذلك ) : ما ذكر من قول القائل أرأيت الخ ( قاتل الله اليهود ) : أي : أهلكهم ولعنهم ، ويحتمل إخبار ودعاء وهو من باب عاقبت اللص . قال القاضي - رحمه الله : أي : عاداهم ، وقيل : قتلهم ، فأخرج في صورة المغالبة ( إن الله لما حرم شحومها ) : بصيغة الإفراد في نسخ المشكاة : وقال في المفاتيح : قوله : شحومهما أي : بصيغة التثنية ، الضمير يعود إلى غير مذكور ، والمراد منه البقر والغنم ، كما في قوله - تعالى : ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما وروي ( شحومها ) ، فالضمير يعود إلى كل واحدة ، والبقر والغنم اسم جنس يجوز تأنيثه باعتبار المعنى ( أجملوه ) : بالجيم أي أذابوه ، والضمير راجع إلى الشحوم على تأويل المذكور ، ذكره الطيبي - رحمه الله ، والأظهر أنه راجع إلى الشحم المفهوم من الشحوم قال الطيبي - رحمه الله : ويجوز أن يرجع إلى ما هو في معنى الشحوم ، إذ لو قيل حرم شحومها لم يخل بالمعنى فهو نحو قوله - تعالى : فأصدق وأكن اهـ .

وفي النهاية : جملت الشحم وأجملته أذبته ، وفي القاموس : جمل الشحم أذابه كأجمله واجتمله ، فقول الطيبي - رحمه الله : جملت أفصح من أجملت ليس من الجميل والصحيح أنهما فصيحان بل الأجمل ، أن يقال : إن أجمل أبلغ لإفادة المبالغة ، لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، فالمعنى أنهم بالغوا في هذا الفعل واستمروا عليه ، ولم ينتهوا عنه ( ثم باعوه ) أي : صورة ، وإلا فهو باطل حقيقة ( فأكلوا ثمنه ) : فيه زيادة توبيخ ، وفي شرح السنة : فيه دليل على بطلان كل حيدة تحتال للتوصل إلى محرم وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئاته وتبديل اسمه ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية