صفحة جزء
235 - وعن جندب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " . رواه الترمذي ، وأبو داود .


235 - ( وعن جندب ) : بضم الجيم والدال ويفتح كذا في المغني ، وذكر القاضي عياض في المشارق بفتح الدال وضمها مع ضم الجيم وبكسر الجيم أيضا مع فتح الدال وكسرها ، ووهم ابن حجر فقال : جندب بضم الجيم وتثليث الدال إذ ليس فعلل بضم الأول وكسر ما قبل الآخر من أوزان الرباعي المجرد والملحق به والله أعلم . قال المصنف : هو بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها أيضا ، ابن عبد الله بن سفيان البجلي العلفي ، وعلفة : بطن من بجيلة ، مات في فتنة ابن الزبير ، روى عنه جماعة ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من قال في القرآن ) أي : في لفظه أو معناه ( برأيه ) أي : بعقله المجرد ( فأصاب ) أي : ولو صار مصيبا بحسب الاتفاق ( فقد أخطأ ) أي : فهو مخطئ بحسب الحكم الشرعي . قال ابن حجر أي أخطأ طريق الاستقامة بخوضه في كتاب الله بالتخمين والحدس لتعديه بهذا الخوض مع عدم استجماعه لشروطه ، فكان آثما به مطلقا ، ولم يعتد بموافقته للصواب لأنها ليست عن قصد ولا تحر ، بخلاف من كملت فيه آلات التفسير وهي خمسة عشر علما : اللغة ، والنحو ، والتصريف ، والاشتقاق ، لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين اختلف المعنى باختلافهما ، كالمسيح هل هو من السياحة أو المسح ، والمعاني ، والبيان ، والبديع ، والقراءات ، والأصلين ، وأسباب النزول ، والقصص ، والناسخ ، والمنسوخ ، والفقه ، والأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم ، وعلم الموهبة ، وهو علم يورثه الله لمن عمل بما علم ، وبعض هذه العلوم كان موجودا عند السلف بالفعل ، وبعضها بالطبع من غير تعلم فإنه مأجور بخوضه فيه وإن أخطأ لأنه لا تعدي منه ، فكان مأجورا أجرين كما في رواية ، أو عشرة أجور كما في أخرى إن أصاب وأجر إن أخطأ كالمجتهد في الأحكام ، لأنه بذل وسعه في طلب الحق واضطره الدليل إلى ما رآه ، فلم يكن منه تقصير بوجه ، وقد أخطأ الباطنية الذين يعتقدون أن للقرآن ظهرا وبطنا وأن المراد باطنه دون ظاهره ، ومن هذا ما يسلكه بعض الصوفية من تفسيرهم فرعون بالنفس وموسى بالقلب إن زعموا أن ذلك مراد من الآية لا إشارات ومناسبات للآيات ، وقد صرح الغزالي وغيره بأنه يحرم صرف شيء من الكتاب والسنة عن ظاهر من غير اعتصام فيه بنقل من الشارع ، ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل عقلي . قال الماوردي : وقد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهر ، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده وإن صحبها شواهد سالمة عن المعارض ، وهذا عدول عما تعبدنا بمعرفته من النظر في القرآن واستنباط الأحكام منه كما قال تعالى : لعلمه الذين يستنبطونه منهم وفي حديث أبي نعيم وغيره : " القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه " ومعنى ذلول سهل حفظه وفهمه حتى لا يقصر عنه أفهام المجتهدين ، ومعنى ذو وجوه أن بعض جمله يحتمل وجوها من التأويل ، أو أنه جمع وجوها من الأمر والترغيب والتحليل وأضدادها ، ومعنى فاحملوه إلخ : احملوه على أحسن معانيه ، وفيه دلالة على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله تعالى . ا هـ .

وما ذكره عن بعض المتورعة قال به قوم فحرموا التفسير مطلقا ، ولو على من اتسعت علومه إلا ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهؤلاء من الإفراط على شفا جرف هار ، وإطباق العلماء في سائر الأعصار على خلاف مقالتهم كاف في تسفيههم وتكذيبهم ، وقد قال محيي السنة ، وآخرون : التأويل الذي هو صرف الآية لمعنى يحتمله [ ص: 311 ] موافق لما قبلها وما بعدها ، ليس مخالفا للكتاب والسنة من طريق الاستنباط ، غير محظور على العلماء بالتفسير ، بخلاف نحو تأويل البحرين بعلي وفاطمة ، واللؤلؤ والمرجان بالحسن والحسين ، فإنه من تأويل الجهلة والحمقاء كالروافض . قال بعض الشراح أي من شرع في التفسير من غير أن يكون له وقوف على لغة العرب ووجوه استعمالاتها من الحقيقة والمجاز والمجمل والمفصل والعام والخاص ، وغير ذلك مما ينبغي أن يكون للمفسر ، فهو وإن طابق المراد بالآية فهو مخطئ لأنه تكلم في القرآن بغير إذن الشارع ، وقيل : معناه قضى بتأويله واجتهاده على أنه مراد الله تعالى . ونقل الطيبي عن التوربشتي أن المراد بالرأي ما لا يكون مؤسسا على علوم الكتاب والسنة ، بل يكون قولا تقوله برأيه على ما يقتضيه عقله ، وعلم التفسير يؤخذ من أفواه الرجال كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ ، ومن أقوال الأئمة وتأويلاتهم بالمقاييس العربية كالحقيقة والمجاز والمجمل والمفصل والعام والخاص ، ثم يتكلم على حسب ما يقتضيه أصول الدين ، فيئول القسم المحتاج إلى التأويل على وجه يشهد بصحته ظاهر التنزيل ، فمن لم يستجمع هذه الشرائط كان قوله مهجورا ، وحسبه من الزاجر أنه مخطئ عند الإصابة ، فما بعد ما بين المجتهد والمتكلف ، فالمجتهد مأجور على الخطأ ، والمتكلف مأخوذ بالصواب . وقال صاحب جامع الأصول : يحتمل النهي عن وجهين . أحدهما : أن له ميلا عن طبعه وهواه فيئول على وفق رأيه ، ولو لم يكن له ذلك الهوى لم يلح له ذلك المعنى . الثاني : أن يتسارع إلى التفسير بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع فيما يتعلق بغرائب القرآن ، وما فيه من الإضمار والتقديم ولا مطمع في الوصول إلى الباطن بدون معرفة الظاهر . ( رواه الترمذي ، وأبو داود ) ، وكذا النسائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية