صفحة جزء
237 - وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قوما يتدارءون في القرآن ، فقال : " إنما هلك من كان قبلكم بهذا : ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا ، فلا تكذبوا بعضه ببعض . فما علمتم منه فقولوا ، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه " . رواه أحمد ، وابن ماجه .


237 - ( وعن عمرو بن شعيب ) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ( عن أبيه ، عن جده ) . يحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى عمرو ، فيكون الحديث مرسلا لأن جد عمرو وهو محمد بن عبد الله بن عمرو تابعي ، وأن يكون راجعا إلى شعيب مع ما فيه من تفكيك الضميرين ، فالحديث متصل لأن جد شعيب عبد الله بن عمرو بن العاص صحابي ، ولهذه العلة تكلموا في صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لما فيها من احتمال التدليس ( وقال : سمع الله - صلى الله عليه وسلم - قوما ) أي : كلام قوم ( يتدارءون في القرآن ) أي : يختلفون فيه ويتدافعون بعضه ببعض ، والتدارؤ دفع كل من المتخاصمين قول صاحبه بما يقع من القول أي : يدفع بعضهم دليل بعض منه . قال المظهر : مثال ذلك أن أهل السنة يقولون : الخير والشر من الله تعالى لقوله تعالى : قل كل من عند الله ويقول القدري : ليس كذلك بدليل قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وهذا الاختلاف منهي ، أي على هذا الوجه ، وإنما الطريق في مثل تلك الآيات أن يؤخذ ما عليه إجماع المسلمين ، ويئول الآية الأخرى كما نقول : العقد الإجماع على أن الكل بتقدير الله تعالى ، وأما قوله تعالى : ما أصابك إلخ . فذهب المفسرون إلى أنه متصل بما قبله ، والمعنى فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا يعني : أن المنافقين لا يعلمون ما هو الصواب ، ويقولون ما أصابك إلخ . وقيل : الآية مستأنفة أي : ما أصابك يامحمد أو يا إنسان من حسنة ، أي : فتح وغنيمة وراحة وغيرها ، فمن فضل الله ، وما أصابك من سيئة ، أي : من هزيمة وتلف مال ومرض فهو جزاء ما عملت من الذنوب كما قال تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير فالآية السابقة خارجة عن مسألة القضاء والقدر ( فقال ) : عليه الصلاة والسلام ( إنما هلك من كان قبلكم ) أي : من اليهود والنصارى ( بهذا ) أي : بسبب التدارؤ ، إشارة تحقير أو تعظيم لعظم ضرره ، وقيل : المضاف محذوف ، أي : بمثل هذا الاختلاف المذموم ( ضربوا كتاب الله ) أي : جنسه ( بعضه ببعض ) : بدل بعض ، والجملة بيان لاسم الإشارة ، أي : خلط من كان قبلكم التوراة والإنجيل ، ومعناه : دفع أهل التوراة الإنجيل وأهل الإنجيل التوراة ، وكذلك أهل التوراة - ما لا يوافق مرادهم من التوراة ، وكذلك أهل الإنجيل ، وقيل : المراد بكتاب الله القرآن ، أي : خلطوا بعضه ببعض ، فلم يميزوا بين المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيد ، فحكموا في كلها حكما واحدا من ضربت اللبن بعضه ببعض ، أي : خلطته ، والضرب الصرف أيضا ، فإن الراكب إذا أراد صرف الدابة ضربها ، أي : صرفوا كتاب الله عن المعنى المراد إلى ما مال إليه أهواؤهم ، وينبغي للناظر في كتاب الله تعالى أن يوفق بين الآيات فإنه يصدق بعضه بعضا ، ومن أشكل عليه شيء فليتوقف فيه ويستند إلى سوء فهمه ويكل علمه إلى عالمه عز وجل ، ولذا قال : ( وإنما نزل كتاب الله ) : المراد به الجنس ( يصدق بعضه بعضا ) : يعني أن الإنجيل مثلا يبين أن التوراة كلام الله وهو حق ، والقرآن يبين أن جميع الكتب المنزلة حق ، وكذلك الناسخ يبين أنه لا يعمل بالمنسوخ والمحكم يبين أنه لا يعمل بالمتشابه ، والمئول لدليل يبين أنه لا يعمل بالظاهر ، والخاص والمقيد يبينان أنه لا يعمل بالعام والمطلق ( فلا تكذبوا بعضه ببعض ) : بل قولوا : كل ما أنزله الله على رسوله حق ، أو بأن تنظروا إلى الله ظاهر لفظين منه مع عدم النظر إلى القواعد التي تصرف أحدهما عن العمل به [ ص: 313 ] بنسخه أو بتخصصه أو تقييده أو تأويله ، فإن ذلك يؤدي إلى قدح في الدين ( فما علمتم منه ) أي : علما موافقا للقواعد ( فقولوا ) أي : به ( وما جهلتم ) أي : منه كالمتشابهات وغيرها ( فكلوه ) أي : ردوه وفوضوه ( إلى عالمه ) : وهو الله تعالى ، أو من هو أعلم منكم من العلماء ولا تلقوا معناه من تلقاء أنفسكم ، وقد سئل ابن عباس عن آيات ظاهرة التنافي ؟ فأجاب عنها ، منها : نفي المساءلة يوم القيامة وإثباتها ، فنفيها فيما قبل النفخة الثانية ، وإثباتها فيما بعدها . قلت : ويحتمل أن يكون كلتاهما بعد النفخة الثانية بأن يكون النفي في أوائل المواقف والإثبات في أواخرها . ومنها : كتمان المشركين حالهم وإفشاؤه فالأول بألسنتهم والثاني بأيديهم وجوارحهم . قلت : ولا بعد أن يكون الثاني بألسنتهم أيضا ، لكن لا باختيارهم كشهادة أيديهم ، ويدل عليه قوله : يوم تشهد عليهم ألسنتهم ومنها : خلق الأرض قبل السماء وعكسه ، وجواب هذا : أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة ، ثم خلق السماوات فسواهن في يومين ، والأرض بعد ذلك دحاها وجعل فيها رواسي وغيرها في يومين . فتلك أربعة أيام للأرض ، وقد سأله يهودي فقال : تزعمون أن الله كان غفورا رحيما ، فكيف هو اليوم ؟ وأجاب عنه : بأن الماضي إنما هو التسمية لأن التعلق انقضى ، وأما الاتصاف فهو دائم . قلت : ويقرب منه ما قال المتكلمون : ما ثبت قدمه استحال عدمه . وأجاب أيضا : بأن كان يستعمل بها مراد الدوام كثيرا . وسئل أيضا عن اليوم المقدر بألف سنة والمقدر بخمسين ألف سنة ؟ فقال : لا أدري ، وأكره أن أقول ما لا أعلم ، وفي رواية عنه : أن الأول أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها العالم ، والثاني يوم القيامة . وقال غيره : كل منهما يوم القيامة باعتبار قصره على المؤمن العاصي وطوله على الكافر ، وأما الطائع فيكون عليه بقدر ركعتين كما ورد . ( رواه أحمد ، وابن ماجه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية