صفحة جزء
239 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " العلم ثلاثة : آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة . وما كان سوى ذلك فهو فضل " . رواه أبو داود ، وابن ماجه .


239 - ( وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( العلم ) : أي : الذي هو أصل علوم الدين ، واللام للعهد الذهني ( ثلاثة ) أي : معرفة ثلاثة أشياء ( آية محكمة ) أي : غير منسوخة أو ما لا يحتمل إلا تأويلا واحدا ( أو سنة قائمة ) أي : ثابتة صحيحة منقولة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معمول بها ، وأو للتنويع كقوله ( أو فريضة عادلة ) . أي : مستقيمة . قيل : المراد بها الحكم المستنبط من الكتاب والسنة بالقياس لمعادلته الحكم المنصوص فيهما ومساواته لهما في وجوب العمل ، وكونه صدقا وصوابا ، وقيل : فريضة معدلة بالكتاب والسنة أي مزكاة بهما ، وقيل : الفريضة العادلة ما اتفق عليها المسلمون وهو إشارة إلى الحكم الثابت بالإجماع ، وقيل : المراد علم الفرائض ، والحاصل أن أدلة الشرع أربعة : الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، ويسمى الإجماع والقياس فريضة عادلة ، قاله زين العرب ملخصا نقله السيد ( وما كان سوى ذلك ) أي : المذكور ( فهو فضل ) أي : من الفضول يعني كل علم سوى هذه الثلاثة ، وما يتعلق بها مما تتوقف هذه الثلاثة عليه زائد لا ضرورة إلى معرفته كالنحو والتصريف والعروض والطب وغير ذلك ، كذا قاله ابن الملك . وأما قول ابن حجر : وما كان سوى ذلك كعلم العروض والطب والهندسة والهيئة والميقات ، فهو فضل أي زيادة على تلك العلوم ، ففيه أنه تحصيل الحاصل ، وأنه غير مفيد لبيان العلم النافع الذي طلبه من الله تعالى ، وغير النافع الذي تعوذ به منه بقوله " اللهم إني أسألك علما نافعا ، وأعوذ بك من علم لا ينفع " وأيضا من الظاهر أن مراد الشارع أن يبين حصر العلوم الشرعية لتعرض الأمة عن غيرها ويتوجهوا إليها ، وهو لا يحصل إلا بنفي ما عداها وذمه بأنه زائد غير محتاج إليه بل فضلة وشاغل عن المقصود ، ولذا ورد : " إن من العلم جهلا " و " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " والغريب من ابن حجر أنه جعل هذا القول بعيدا ، بل قال : لا يصح ، وعلل بقوله : لأن من تلك العلوم الزائدة ما هو فرض كفاية كالطب وتقدم جوابه وقال : بل عين كعلم الوقت والقبلة . قلت : إن كان المراد علمهما إجمالا على ما ثبت في الحديث فهو مسلم وهو داخل في السنة ، وإن كان المراد علمهما على وفق علماء الهيئة والحكمة من الفلاسفة فحاشا أن يكون علما فضلا أن يكون فرضا فضلا أن يكون فرض عين ، وإلا لكان السلف وأكثر الخلف عاصين بترك هذا العلم ، وما كانت صلاتهم صحيحة بالتحري في القبلة والله أعلم . وقال الطيبي : العلم ثلاثة : علم الكتاب وإليه أشار بقوله " آية محكمة " فإن المحكمات هن أم الكتاب ، ويجب رد المتشابهات إليها ولا يحصل إلا بما يتعلق به من العلوم كالعربية والأصوليين . يعني : أصول العقائد وأصول الفقه وعلم السنة ، وإليه أشار بقوله : سنة قائمة ، ومعنى قيامها ثباتها ودوامها بالمحافظة على أسانيدها ، وما يتعلق بها من التعديل والجرح ومعرفة أقسام الحديث أو بالمحافظة على متونها من التغيير بالإتقان ، وعلم الإجماع ، والقياس ، وإليه أشار بقوله : [ ص: 318 ] أو فريضة عادلة ، وإنما سميت عادلة لأنها معادلة لما أخذ من الكتاب والسنة في وجوب الاتباع ، وما عدا ذلك من الفضول ولا مدخل له في علم الدين ، وأما الطب فليس بفضول لما ثبت بنصوص السنة الافتقار إليه . أقول فيه : إن كل ما ثبت بالسنة الافتقار إليه لا يلزم أن يكون علما كالحجامة والزراعة والنساجة ، فإنها من فروض الكفاية ، ولا تسمى علوما مع أن العلم بالطب جائز لا فرض إجماعا وأصله موجود في الكتاب والسنة ، والزائد عنهما لا شك أنه فضول كالزائد من نحو النحو على قدر الحاجة إليه في معرفة الكتاب والسنة ( رواه أبو داود ، وابن ماجه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية