صفحة جزء
2906 - عن أبي هريرة أن رجلا تقاضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأغلظ له ، فهم أصحابه ، فقال : " دعوه ، فإن لصاحب الحق مقالا ، واشتروا له بعيرا ، فأعطوه إياه ، قالوا : لا نجد إلا أفضل من سنه . قال : " اشتروه فأعطوه إياه فإنخيركم أحسنكم قضاء " . متفق عليه .


2906 - ( وعن أبي هريرة أن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : أي بعيرا أو قيمته . وفي النهاية : تقاضى أي طالبه به وأراد قضاء دينه . اهـ ولعله وقع التعلل بأنه لم يوجد مثله أو لم يحضر ثمنه ( فأغلظ ) : أي عنف الرجل ( في القول له ) : صلى الله عليه وسلم ، قال النووي رحمه الله : الإغلاظ محمول على التشديد في المطالبة من غير أن يكون هناك قدح فيه ، ويحتمل أن يكون القائل كافرا من اليهود أو غيرهم ، قال الأكمل : قيل ولعل هذا التقاضي كان من جفاة الأعراب أو ممن لم يتمكن الإيمان في قلبه ( فهم أصحابه ) : أي : قصدوا أن يزجروه ويؤذوه بقول أو فعل لكن لم يفعلوا تأدبا معه صلى الله عليه وسلم ( فقال : دعوه ) : أي : اتركوه ولا تزجروه ( فإن لصاحب الحق مقالا ) : قال ابن الملك : المراد بالحق هنا الدين ; أي من كان له على غريمه حق فماطله ، فله أن يشكوه ويرفعه إلى الحاكم ويعاتب عليه وهو المراد بالمقال . كذا في شرح المشارق ، وقال في شرح المصابيح : في الحديث جواز تشديد صاحب الحق على المديون بالقول يعني بأن يطلق عليه لسانه وينسبه إلى الظلم وأكل أموال الناس بالباطل ، إذا تحقق منه المماطلة والمدافعة من غير ملاطفة اهـ . ولا يخفى أن هذا قد يتصور في حق غيره - صلى الله عليه سلم - ومبني هذا على حديثه - صلى الله عليه وسلم : " مطل الغني ظلم " ، ولعله مقتبس من قوله تعالى : ( لا يحب الله الجهر بالسوء ) ( واشتروا له بعيرا فأعطوه إياه قالوا : لا نجد إلا أفضل من سنه ) لأن بعيره كان صغيرا حقيرا والموجود كان رباعيا خيارا ( قال : اشتروه ) : أي : ولو كان أحسن من سنه ( فأعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء . متفق عليه ) : وروى الطبراني ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي عن زيد بن سعنة بالمهملة والنون المفتوحتين كما قيده به عبد الغني ، وذكره الدارقطني بالمثناة التحتية ، وهو كما قاله النووي أجل أحبار اليهود الذين أسلموا أنه قال : لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد نظرت إليه إلا اثنين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله ، فابتعت منه تمرا إلى أجل فأعطيته التمر ، فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت : ألا تقضيني يا محمد حقي فوالله إنكم يا بني عبد المطلب مطل ، فقال عمر : أي عدو الله ، أتقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أسمع ، فوالله لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ثم قال : أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر ، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة ، اذهب به يا عمر فاقضه وزده عشرين صاعا مكان ما رمته ، ففعل فقلت : يا عمر كل علامات النبوة قد عرفت في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نظرت إليه إلا اثنين لم أخبرهما ; يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل إلا حلما فقد اختبرتهما ، فأشهدك أني قد رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا .

وقد وقع أغرب من هذا مما يدل على غاية جوده وكرمه ونهاية صبره وحلمه على الأذى في النفس والمال والتجاوز عن جفاء من يريد تألفه على الإسلام في المال ما رواه البخاري من حديث أنس : كنت أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة . قال أنس : فنظرت إلى صفحة عاتقه وقد أثرت فيه حاشية البرد من شدة جذبته ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء .

وروى أبو داود عن أبي هريرة قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما ثم قام فقمنا حين قام فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه فجذبه بردائه فحمر رقبته وكان رداء خشينا فالتفت إليه ، فقال الأعرابي : احملني على بعيري هذين فإنك لا تحملني من مالك ولا من مال أبيك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا " وأستغفر الله " لا " وأستغفر الله " لا " لا أحملك حتى تقيدني من جذبتك التي جذبتني ، فكل ذلك يقول له الأعرابي : والله لا أقيدكها . فذكر الحديث إلى أن قال : ثم دعا رجلا فقال له : احمل له على بعيريه هذين على بعير تمرا ، أو على الآخر شعيرا . وأما ما وقع في كثير من نسخ الشفاء أنه جذبه بإزاره فغير صحيح .

[ ص: 1956 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية