صفحة جزء
[ ص: 2042 ] 3081 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا . متفق عليه .


3081 - ( وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه ، قال : رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل ) أي : الانقطاع عن النساء ، وكان ذلك من شريعة النصارى ، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه أمته ; ليكثر النسل ويدوم الجهاد . قال الراوي : ( ولو أذن له ) أي : لعثمان في ذلك ( لاختصينا ) أي : لجعل كل منا نفسه خصيا كيلا يحتاج إلى النساء . قال الطيبي : " كان من حق الظاهر أن يقال : لو أذن لتبتلنا ، فعدل إلى قوله : اختصينا إرادة للمبالغة أي : لو أذن لبالغنا في التبتل حتى بالاختصاء ، ولم يرد به حقيقة لأنه غير جائز . قال النووي - رحمه الله - : " كان ذلك ظنا منهم جواز الاختصاء ، ولم يكن هذا الظن موافقا فإن الاختصاء في الآدمي حرام صغيرا أو كبيرا ، وكذا يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل ، وأما المأكول فيجوز في صغره ويحرم في كبره ( متفق عليه ) .

قال ابن الهمام : " التجرد عند الشافعي أفضل لقوله تعالى : ( وسيدا وحصورا ) يمدح يحيى عليه الصلاة والسلام بعدم إتيان النساء مع القدرة عليه ، لأن هذا معنى الحصور ، وحينئذ فإذا استدل عليه بمثل قوله عليه الصلاة والسلام : " أربع من سنن المرسلين : الحياء ، والتعطر ، والسواك ، والنكاح " . رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب ، وبقوله عليه الصلاة والسلام : " أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة : قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وبدنا على البلاء صابرا ، وزوجة لا تبغيه حوبا في نفسها وماله " . رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وإسناد أحدهما جيد ، له أن يقول في الجواب : لا أنكر الفضيلة مع حسن النية وإنما أقول التخلي للعبادة أفضل فالأولى في حوابه التمسك بحاله عليه الصلاة والسلام ، ورده على من أراد من أمته التخلي للعبادة ، فإنه صريح في عين المتنازع فيه ، وهو ما في الصحيحين أن نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سألوا أزواجه عن عمله في السر فقال بعضهم : لا أتزوج النساء ، وقال : بعضهم لا آكل اللحم ، وقال : بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه وقال : " ما بال أقوام قالوا كذا ، لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " فرد هذا الحال ردا مؤكدا حتى تبرأ منه وبالجملة فالأفضلية في الاتباع لا فيما تخيل النفس أنه أفضل نظرا إلى ظاهر عبادة وتوجه ، ولم يكن الله عز وجل يرضى لأشرف أنبيائه إلا بأشرف الأحوال وكان حاله إلى الوفاة النكاح ، فيستحيل أن يقره على ترك الأفضل مدة حياته ، وحال يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام كان أفضل في تلك الشريعة ، وقد نسخت الرهبانية في ملتنا ، ولو تعارضا قدم التمسك بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما : تزوجوا فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءا ، ومن تأمل ما يشتمل عليه النكاح من تهذيب الأخلاق وتوسعة الباطن بالتحمل في معاشرة أبناء النوع وتربية الولد ، والقيام بمصالح المسلم العاجز عن القيام بها والنفقة على الأقارب والمستضعفين ، وإعفاف الحرم ونفسه ودفع الفتنة عنه وعنهن ، ودفع التقتير عنهن بحبسهن لكفايتهن مؤنة سبب الخروج ثم الاشتغال بتأديب النفس وتأهيله للعبودية ، ولتكون هي أيضا سببا لتأهيل غيرها وأمرها بالصلاة ، فإن هذه الفرائض كثيرة لم يكد يقف على الجزم بأنه أفضل من التخلي بخلاف ما إذا عارضه خوف الجور إذ الكلام ليس فيه ، بل في الاعتدال مع أداء الفرائض والسنن وذكرنا أنه إذا لم يقترن به نية كان مباحا عنده ، لأن المقصود منه حينئذ مجرد قضاء الشهوة ، ومبنى العبادة على خلافه ، وأقول : بل فيه فضل من جهة أنه كان متمكنا من قضائها بغير الطريق المشروع ، فالعدول إليه مع ما يعلمه من أنه يستلزم أثقالا فيه قصد ترك المعصية وعليه يثاب ووعد العون من الله تعالى لاستحسان حالته .

التالي السابق


الخدمات العلمية