صفحة جزء
3249 - وعن جابر قال دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال : فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له ، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا ، قال : فقلت : لأقولن شيئا أضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر عن عائشة يجأ عنقها ، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول تسألين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ثم نزلت هذه الآية ( ياأيها النبي قل لأزواجك ) حتى بلغ ( للمحسنات منكن أجرا عظيما ) قال فبدأ بعائشة قال : يا عائشة إني أريد أن أعرض أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ، قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية قالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت ، قال : لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا " . رواه مسلم .


3249 - ( وعن جابر قال : دخل أبو بكر ) : أي : أراد الدخول ( يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : حال أو استئناف بيان ( فوجد ) : أي : أبو بكر ( الناس ) : أي : عمومهم ( جلوسا ) : أي : جالسين أو ذوي جلوس ( ببابه لم يؤذن لأحد منهم ، قال ) : أي : جابر ( فأذن ) : بضم الهمزة ويفتح ( لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد ) : أي : عمر ( النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا حوله نساؤه ) : لعل هذا قبل نزول الحجاب ( واجما ) : أي : حزينا مهتما ( ساكتا ) : في النهاية : الواجم من أسكته الهم وعلته الكآبة . ( فقال ) : أي : عمر في نفسه وفي نسخة ( قلت لأقولن شيئا أضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ) بضم الهمزة وكسر الحاء وفي رواية يضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحتمل أن يكون من الإضحاك ، والنسبة مجازية وأن يكون من الضحك ، فالتقدير يضحك به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمراد حصول السرور والانشراح ، ورفع الكدورة بالمزاح ، قال النووي في شرح مسلم : قوله " يضحك " في نسخة " أضحك " فيه ندب مثل هذا ، وأن الإنسان إذا رأى صاحبه حزينا أن يحدثه حتى يضحك أو يشغله ويطيب نفسه . اهـ . وفي آداب المريدين للسهروردي - رحمه الله - ، عن علي - رضي الله عنه - أنه قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسر الرجل من أصحابه إذا رآه مغموما بالمداعبة . ( فقال ) : أي : عمر ( يا رسول الله لو رأيت ) : أي : لو علمت ( بنت خارجة ) : يعني بها زوجته ولو للتمني ( سألتني النفقة ) : أي : الزيادة على العادة أو فوق الحاجة ( فقمت إليها فوجأت ) : بالهمز أي ضربت ( عنقها ) : بكفي ، في المغرب : الوجأ الضرب باليد يقال وجأ في عنقه من باب منع ، وقال الطيبي - رحمه الله - : الوجأ الضرب ، والعرب تحترز عن لفظ الضرب ؛ فلذلك عدل إلى الوجأ ، وفي القاموس : وجأه باليد والسكين كوضعه ضربه ، اهـ . وجاء الوجأ بمعنى الدق على ما في النهاية والله تعالى أعلم ( فضحك رسول الله - صلى الله [ ص: 2123 ] عليه وسلم وقال : هن ) : أي : نسائي ( حولي كما ترى يسألنني النفقة ) : أي : زيادتها عن عادتها ( فقام أبو بكر إلى عائشة - رضي الله عنها يجأ ) : أي : يدق ( عنقها وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول ) : خطابا لبنته ( تسألين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عنده فقلن ) : أي : عندهن أو ما عندي أن التثنية أقل الجمع ( والله لا نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) : أي : بعد هذا ( شيئا ) : أي : من الأشياء ( أبدا ) : تأكيد " ألا نسأل " ( ليس عنده ) : أي : ذلك الشيء ( ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ) : بناء على يمينه السابق ، والصحيح الثاني ولعله لم يبلغه فتردد فيه ثم نزلت هذه الآية ( ياأيها النبي قل لأزواجك ) حتى بلغ ( للمحسنات منكن أجرا عظيما ) : وهو ( إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد ) إلخ ( قال ) : أي : جابر ( فبدأ ) : أي : في التخيير ( بعائشة - رضي الله عنها ) : فإنها أعقلهن وأفضلهن ( فقال : يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه ) : أي : في جوابه من تلقاء نفسك ( حتى تستشيري أبويك ) : خوفا عليها من صغر سنها المقتضي إرادة زينة الدنيا أن لا تختار الآخرة ، وفي رواية عنها " وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه " قال النووي - رحمه الله - : إنما قال " لا تعجلي " شفقة عليها وعلى أبويها ، ونصيحة لهم في بقائها عنده ، فإنه خاف أن يحملها صغر سنها وقلة تجاربها على اختيار الفراق ، فتتضرر هي وأبواها وباقي النسوة بالاقتداء بها . ( قالت : وما هو ) : أي : ذلك الأمر ( يا رسول الله ، فتلا عليها الآية ) : أي : المذكورة ( قالت : أفيك ) : أي : في فراقك أو في وصالك أو في حقك ( يا رسول الله استشير أبوي ) : لأن الاستشارة فرع التردد في القضية المختارة ( بل ) : أي : لا أستشير أحدا ( أختار الله ورسوله والدار الآخرة ) : وفي الكلام إيماء إلى أن إرادة زينة الحياة الدنيا وطلب الدار الآخرة لا يجتمعان على وجه الكمال ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم : " من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى " . ( وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت ) : أما أنها أرادت اختيارهن الدنيا ليخلص لها الوصال في الدنيا والكمال في العقبى ( قال لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها ) : لأعينها به على اختيار المختار تقليدا أو تحقيقا ( إن الله لم يبعثني معنتا ) : بالتشديد أي موقعا أحدا في أمر شديد والعنة المشقة والإثم أيضا ( ولا متعنتا ) : أي : طالبا لزلة أحد ( ولكن بعثني معلما ) : أي : للخير ( ميسرا ) : أي : مسهلا للأمر وفي نسخة مبشرا أي لمن آمن بالجنة والنعيم ولمن اختار الله ورسوله والدار الآخرة بالأجر العام ، قال : قتادة فلما اخترن الله ورسوله شكرهن على ذلك وقصره عليهن فقال : لا يحل لك النساء من بعد كذا ذكره البغوي ( رواه مسلم ) : قال النووي : فيه جواز احتجاب الإمام والقاضي ونحوهما في بعض الأوقات لحاجاتهم المهمة والغالب من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يتخذ حاجبا ، فاتخاذه في ذلك اليوم ضرورة ، وفيه وجوب الاستئذان على الإنسان في منزله ، وفيه أنه لا فرق بين الخليل وغيره في احتياج الاستئذان ، وفيه تأديب الرجل ولده وإن كبر فاستقل ، وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من التقلل من الدنيا والزهادة فيها ، وفيه جواز سكن الغرفة لذات الزوج ، واتخاذ الخزانة ، وفيه ما كانوا عليه من حرصهم على طلب العلم ، وفيه أن للزوج تخيير زوجته واعتزاله عنها في بيت آخر ، وفيه دلالة لمذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء أن من خير زوجته واختارته لم يكن ذلك طلاقا ولا يقع به فرقة ، وروى عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث أنه يقع الطلاق بنفس التخير طلقة بائنة سواء اختارت زوجها أم لا ، ولعل القائلين به لم يبلغهم هذا الحديث اهـ . وسيأتي بهذه المسألة زيادة بيان وبرهان والله المستعان .

[ ص: 2124 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية