صفحة جزء
الفصل الثاني

3354 - عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن لي مالا ، وإن والدي يحتاج إلى مالي . قال : " أنت ومالك لوالدك ، إن أولادكم من أطيب كسبكم ، كلوا من كسب أولادكم " . رواه أبو داود وابن ماجه .


الفصل الثاني

3354 - ( عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ) ، أي عمرو بن العاص على ما أشار إليه الطيبي ( أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن لي مالا ، وإن والدي يحتاج إلى مالي . قال : " أنت ومالك " ) : بضم اللام ( لوالدك ) ، وروى ابن ماجه عن جابر ، والطبراني ، عن سمرة ، وابن مسعود : أنت ومالك لأبيك ( إن أولادكم من أطيب كسبكم ) : أفعل تفضيل من الطيب وهو الحلال يعني : أولادكم من أحل أكسابكم وأفضلها ، فما كسبت أولادكم فإنه حلال لكم ، وإنما سمي الولد أطيب كسب وأحله ; لأنه أصله . قاله القاضي أي من أطيب ما وجد بسببكم وبتوسط سعيكم ، أو إكساب أولادكم من أطيب كسبكم فحذف المضاف ( " كلوا من كسب أولادكم " ) . في الحديث دليل على وجوب نفقة الوالد على ولده ، وأنه لو سرق شيئا من ماله أو ألم بأمته فلا حد عليه لشبهة الملك . قال الطيبي رحمه الله : لا حاجة إلى التقدير ; لأن قوله : " إن [ ص: 2197 ] أولادكم من أطيب كسبكم " . خطاب عام وتعليل لقوله : " أنت ومالك لوالدك " . وإذا كان الولد كسبا للوالد . بمعنى أنه طلبه وسعى في تحصيله ; لأن الكسب معناه الطلب والسعي في تحصيل الرزق والمعيشة ، والمال تبع له ، كان الولد نفس الكسب مبالغة ، وقد أشار إليه التنزيل بقوله تعالى جل جلاله : وعلى المولود له رزقهن سماه مولودا له إيذانا بأن الوالدات إنما ولدت لهم ، ولذلك ينسبون إليهم ، وأنشد للمأمون بن الرشيد :

فإنما أمهات الناس أوعية مستودعات وللآباء أبناء

فإن قلت : الانتقال من قوله : " أنت ومالك لوالدك " إلى قوله : " إن أولادكم من أطيب كسبكم " . هل يسمى التفاتا ؟ قلت : لا ; لأنه ليس انتقالا من إحدى الصيغ الثلاث إلى الأخرى ) أعني : الحكاية والخطاب والغيبة لمفهوم واحد ، بل هو انتقال من الخاص إلى العام فيكون تلوينا للخطاب ( رواه أبو داود وابن ماجه ) . قال ابن الهمام : رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة من الصحابة ، وقد أخرج أصحاب السنن الأربعة ، عن عائشة رضي الله عنها قال - صلى الله عليه وسلم - : " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " . وحسنه الترمذي ، فإن قيل : هذا يقتضي أن له ملكا ناجزا في ماله . قلنا : نعم لو لم يقيده حديث رواه الحاكم وصححه والبيهقي عنها مرفوعا ( إن أولادكم هبة يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ، وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها ) : ومما يقطع بأن الحديث الأول مئول أنه تعالى ورث الأب من ابنه السدس مع ولد ولده ، فلو كان الكل ملكه لم يكن لغيره شيء مع وجوده . قال : والنفقة لكل ذي رحم محرم واجبة يجبر عليها . وقال أحمد : على كل وارث محرما كان أو لا . وهو قول ابن أبي ليلى ، وقال الشافعي : لا تجب لغير الوالدين والمولودين كالإخوة والأعمام ، وجهه أنه يجعل الإشارة في قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك لنفي المضارة لا لإيجاب النفقة ، فلا يبقى دليلا على إيجاب النفقة فيبقى على العدم لعدم دليلها الشرعي . قلنا : نفيها لا يختص بالوارث ، ثم دليلا هو مخالف للظاهر من الإشارة المقرونة بالكاف فإنها بحسب الوضع للبعيد دون القريب ، ووجه قول أحمد أنه تعالى علقها بالوارث ، فقيد المحرمية زيادة . قلنا : في قراءة ابن مسعود : " وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك " . فيكون بيانا للقراءة المتواترة . فإن قيل : القراءة الشاذة . بمنزلة خبر الواحد ، ولا يجوز تقييد مطلق القاطع به ، فلا يجوز تقييده بهذه القراءة أجيب : بادعاء شهرتها . واستدل على الإطلاق بما في النسائي من حديث طارق قال : قدمت المدينة ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول : " يد المعطي العليا " ، وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك وأدناك " . وما رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، عن معاوية بن حيدة القشيري ، قلت : يا رسول الله ! من أبر ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : " أمك " . قال : ثم من ؟ قال : " أباك ، ثم الأقرب فالأقرب " . قال الترمذي : حسن وفي صحيح مسلم : ( فإن فضل من أهلك شيء فلذوي قرابتك ) . فهذه تفيد وجوب النفقة بلا تقييد بالإرث ، ولا يخفى أن الباقي لا يفيد وجوب النفقة أصلا ، لأنه جواب قول السائل : من أبر ؟ وهو لا يستلزم سؤالا عن البر المفروض لجواز كونه سؤالا عن الأفضل منه ، فيكون الجواب عنه بخلاف الأول ، وليس معارضا للنص ; لأن الحديث عند من لا يقول بمفهوم الصفة ، على أن القائل ألزمهم أن الوارث أريد به القريب عبر به خصوصا على رأيكم ، وهو أن كل قريب وارث لتوريثكم ذوي الأرحام مع قولكم : إن المراد به أهلية الإرث في الجملة . قالوا : إذا كان له خال وابن عم أن نفقته على خاله وميراثه لابن عمه .

[ ص: 2198 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية