صفحة جزء
3383 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : سألت النبي - عليه الصلاة والسلام - : أي العمل أفضل ؟ قال : ( إيمان بالله ، وجهاد في سبيله ) قال : قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ قال : ( أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ) . قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : ( تعين صانعا أو تصنع لأخرق ) . قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : ( تدع الناس من الشر ; فإنها صدقة تصدق بها على نفسك ) . متفق عليه .


3383 - ( وعن أبي ذر ، قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي العمل ) أي : أي أنواعه من عمل الباطن والظاهر ( أفضل ) أي وفي الثواب أكمل ( قال : إيمان بالله ) ، أي ابتداؤه لكونه شرط صحة بقية الأعمال ، أو تجديده ساعة فساعة وبقاؤه عليه على المداومة والاستقامة ( وجهاد ) : أي مجاهدة مع الكفار ( في سبيله ) . أي في طريق دين الله وإعلاء كلمته ، أو المراد مطلق الجهاد الشامل له ولغيره المسمى بالجهاد الأكبر . قال تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فالمراد به المجاهدة مع نفسه التي هي أعدى عدوه ، و " سبلنا " شرعه المستقيم ودينه القويم من امتثال جميع المأمورات وانتهاء جميع المنهيات ، فيكون الحديث من قبيل قوله تعالى جل جلاله : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ونظير ما ورد في الحديث : ( قل ربي الله ثم استقم ) ( قال ) : أي أبو ذر ( فقلت : فأي الرقاب ) : أي من جهة عتقها ( أفضل ؟ قال : أغلاها ثمنا ) ، بالغين المعجمة ، ويروى بالمهملة كذا في التنقيح ، وقال السيوطي رحمه الله : بعين مهملة ، وللكشميهني والنسفي بمعجمة والمعنى متقارب اهـ .

والمقصود أن الأجر على قدر المشقة ، كما روي : أفضل الأعمال أحزها أي : أشدها وأقواها على النفس . ( وأنفسها ) : بفتح الفاء وضم السين أفعل تفضيل للنفيس أي : أحبها وأكرمها ( عند أهلها ) . أي من ترك شيئا لله عوضه الله ( قلت : فإن لم أفعل ) أي عجزا لا كسلا قاله السيوطي ، والأظهر أن يقال : معناه فإن لم أقدر على فعله ( قال : ( تعين ) : بالرفع فهو خبر بمعنى الأمر ، وفي نسخة بالنصب ، فالتقدير : فإن لم أفعل أي شيء يقوم مقامه فقال : أن تعين ( صانعا ) : من الصنعة أي ما به معاش الرجل ، ويدخل فيه الحرفة والتجارة أي صانعا لم يتم كسبه لعياله ، أو ضعيفا عاجزا في صنعه ، وفي نسخة ضائعا أي ذا ضياع من الضياع أي : إعانة من لم يكن متعهدا [ ص: 2215 ] بتعهد من فقر أو عيال ، وقال السيوطي رحمه الله في حاشيته على البخاري : قوله : تعين ضائعا بالضاد المعجمة وبعد الألف تحتية بالاتفاق ، وضبط من قال من شراح البخاري أنه روي بالصاد المهملة والنون للاتفاق على أن هشاما إنما رواه بالمعجمة والياء ، وقد نسبه الزهري إلى التصحيف ، ووافقه الدارقطني لمقابلته بالأخرق اهـ .

وقوله بعد الألف تحتية ، وقوله بالمعجمة والياء محمولان على أصل الكلمة قبل الإعلال ، إذ يجب قلبها همزة كما هو مقرر في نحو : قائل وبائع وعائش وأمثالها .

قال الزركشي رحمه الله تعالى في التنقيح : قوله : ضائعا بالضاد المعجمة هكذا رواية هشام التي رواها البخاري من جهته ، أي : ذا ضياع من فقر أو عيال أو حال قصر عن القيام بها ، وروي بالصاد المهملة والنون ، وقال الدارقطني : إنه الصواب لمقابلته الأخرق ، وقال معمر : كان الزهري يقول : صحف هشام ، إنما هو الصانع ، والله تعالى أعلم . ( أو تصنع ) : بالإعرابين ( لأخرق ) . أي من ليس له كسب من خرق كفرح خرقا بالتحريك جهل ، فمعنى قوله : " أخرق " أي الجاهل بما يعمله أو ليس في يده صنعة يتكسب بها . قال القاضي : الأخرق هنا الذي لا يحسن صنعة . وقال السيوطي رحمه الله : قال أهل اللغة : رجل أخرق لا صنعة له ، والجمع خرق بضم فسكون . ( قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : ( تدع ) : بالضبطين أي تترك ( الناس من الشر ) ، أي من إيصال الشر إليهم ، ويمكن أن يكون المعنى تتركهم من أجل شرهم ، ( فإنها ) : أي ترك الناس من الشر ( صدقة ) ، فالضمير للمصدر الذي دل عليه الفعل ، وأنثه لتأنيث الخبر أو باعتبار الفعلة أو الخصلة ( تصدق ) : أصله تتصدق ( بها ) : أي بهذه الصدقة ( على نفسك ) . أي : تحفظها عما يرديها ويعود وباله عليها . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية