صفحة جزء
3430 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه ، فقالوا : أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ، ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه " . رواه البخاري .


3430 - ( وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ) : بإشباع فتحة نون بين أي فيما بين أوقات له - صلى الله عليه وسلم - ( يخطب فإذا ) : وفي نسخة إذ وهي للمفاجأة ( هو ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( برجل قائم ) ، يجر على الصفة والتقدير : عنده أو بين يديه ( فسأل ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أصحابه عنه ) : أي عن قيامه أو عن اسمه أو رسمه فقالوا : أبو إسرائيل : أي هو ملقب بذلك ، وأبو إسرائيل هذا رجل من بني عامر بن لؤي من بطون قريش ، قال القاضي : الظاهر من اللفظ أن المسئول عنه هو اسمه ، ولذا أجيب بذكر اسمه ، وأن ما بعده زيادة في الجواب ، ويحتمل أن يكون المسئول عنه حاله ، فيكون الأمر بالعكس ، ولعل السؤال لما كان محتملا لكل واحد من الأمرين أجابوا بهما جميعا ( نذر أن يقوم ولا يقعد ، ولا يستظل ولا يتكلم ) : أي مطلقا ( ويصوم ) ، أي دائما ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مروه " ) : أي له ولأمثاله ، وفي نسخة : مره بصيغة المفرد لرئيس القائلين ، والجمع أطلق لقالوا ، فإن الظاهر أن القول وقع منهم جميعا فقال : مروه أي كلكم لزيادة التأثير في نفسه ( " فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم " ) : بسكون اللام وكسرها في الجميع ( " صومه " ) . أي ليكمل صومه وليتم على دوام صيامه ، فإن النذر على الطاعة لازم ، وصيام الدهر محمود لمن يقدر عليه ، ويستثنى منه الأيام الخمسة المنهي شرعا وعرفا وإن نواها يجب عليه إفطارها ويلزمه الكفارة بها عندنا ، وإنما أمره بالتكلم فإنه قد يجب كالقراءة ورد السلام فتركه معصية ، وأما عدم القعود وترك الاستظلال فيما لا تطيقه قوة البشر ، فأمره بالحنث قبل أن يضره بعض الوفاء به حيث لن يتم له ذلك . قال القاضي رحمه الله : أمره - صلى الله عليه وسلم - بالوفاء بالصوم والمخالفة فيما عداه ، فدل على أن النذر لا يصح إلا فيما فيه قربة . قلت : لا دلالة فيه ، وقد تقدم ما يدل على ثبوت عموم النذر . قال : وما لا قربة فيه فنذره لغو لا عبرة به ، وبه قال ابن عمر - رضي الله عنهما - وغيره من الصحابة ، وهو مذهب مالك والشافعي ، وقيل : إن كان المنذور مباحا يجب الإتيان به ، لما روي أن امرأة قالت : يا رسول الله ! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف . قال : " أوفي بنذرك " . وإن كان محرما تجب كفارة اليمين لما روت عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " لا نذر في معصية ، وكفارته كفارة اليمين " . ولما روي عن عقبة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " كفارة النذر كفارة اليمين " . والجواب عن الأول أنها لما قصدت بذلك إظهار الفرح بمقدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسرة بنصرة الله للمؤمنين ، وكانت فيه مساءة الكفار والمنافقين التحق بالقربات ، مع أن الغالب في أمثال هذا الأمر أن يراد به الإذن دون الوجوب ، وعن الثاني أنه حديث ضعيف لم يثبت عند الثقات .

قلت : قد تقدم أنه حديث صحيح . قال : وعن الثالث أنه ليس في هذا الباب إذ الرواية الصحيحة عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين " . وذلك مثل أن يقول : لله علي نذر ولم يسم شيئا . قلت : قد تقدم الكلام على الحديث فتدبر . قال : وقال أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله تعالى : لو نذر صوم العيد لزمه صوم يوم آخر ، ولو نذر نحر ولده لزمه ذبح شاة ، ولو نذر ذبح والده اتفقوا على أنه لا يلزمه ذلك ، ولعل الفرق أن ذبح الولد كان قبل الإسلام ينذرونه ويعدونه قربة بخلاف ذبح الوالد . ( رواه البخاري ) .

[ ص: 2248 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية