صفحة جزء
3449 - وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا ، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ، ثم لاذ مني بشجرة ، فقال : أسلمت لله - وفي رواية : فلما أهويت لأقتله قال : لا إله إلا الله - أأقتله بعد أن قالها ؟ قال : " لا تقتله " . فقال : يا رسول الله ! إنه قطع إحدى يدي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقتله ، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال " . متفق عليه .


3449 - ( وعن المقداد بن الأسود ، أنه قال : يا رسول الله ( أرأيت ) : أي أعلمت فأخبرني ( إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا ) ، أي أراد كل منا قتل الآخر بالفعل ( فضرب ) : أي الكافر ( إحدى يدي بالسيف ) : أي مثلا في المحل والآلة ( فقطعت ) ، أي يدي ( ثم لاذ مني ) : من اللياذ بمعنى العياذ أي التجأ ( بشجرة ) أي مثلا مع أن الالتجاء نفسه قيد واقعي فرض غالبي غير احترازي ( فقال : أسلمت لله ) : أي انقدت لأمر الله ، أو دخلت في الإسلام خالصا لله تعالى ( - وفي رواية : فلما أهويت ) : أي قصدت ( لأقتله قال : لا إله إلا الله - أأقتله ) : وفي نسخة بحذف الاستفهام ( بعد أن قالها ) ؟ أي هذه الكلمة وفي نسخة قاله أي هذا اللفظ ( قال : " لا تقتله " ) . قال القاضي : يستلزم الحكم بإسلامه ، ويستفاد منه صحة إسلام المكره ، وأن الكافر إذا قال : أسلمت أو أنا مسلم [ ص: 2260 ] حكم بإسلامه . ( فقال : يا رسول الله ! إنه قطع إحدى يدي ) . أي ومع هذا لا أتعرض له ، ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقتله " ) ، يستفاد من نهيه عن القتل والتعرض له ثانيا بعدما كرر أنه قطع إحدى يديه أن الحربي يديه قصاصا ( " فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله " ) ، لأنه صار مسلما معصوم الدم قبل أن فعلت فعلتك التي أباحت دمك قصاصا ، والمعنى كما كنت قبل قتله محقون الدم بالإسلام كذلك هو بعد الإسلام ( " وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال " ) . لأنك صرت مباح الدم كما هو مباح الدم قبل الإسلام ، ولكن السبب مختلف فإن إباحة دم القاتل بحق القصاص وإباحة دم الكافر بحق الإسلام وقد تمسك به الخوارج على تكفير المسلم بارتكاب الكبائر ، وحسبوا أن المعنى به المماثلة في الكفر ، وهو خطأ لأنه تعالى عد القاتل من عداد المؤمنين ، بل المراد ما ذكرناه اهـ كلام القاضي .

قال الطيبي : ولو حمل على التغليظ والتشديد كما في قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون لجاز فإنه جعل تارك الحج والزكاة في الآيتين في زمرة الكافرين تغليظا وتشديدا إيذانا بأن ذلك من أوصاف الكفر ، فينبغي للمسلم أن يحترز منه ، وبدار المقام يقتضيه لأنه أزجر وأردع مما ذهبوا إليه من إهدار الدم ، ولأن جعله بمنزلته تصريح بأنه ليس مثله على الحقيقة ، بل نازل منزلته في الأمر الفظيع الشنيع ، وكذلك هو بمنزلتك في الإيمان بواسطة تكلمه بكلمة الشهادة توهينا لفعله وتعظيما لقوله ، والأحاديث السابقة واللاحقة تشهد بصحة ذلك والله تعالى أعلم ، ويقرب منه ما ذكره القاضي عياض رحمه الله . قيل معناه أنك مثله في مخالفة الأمر وارتكاب الإثم ، وإن اختلف الإيمان فيسمى إثمه كفرا وإثمك معصية . ( متفق عليه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية