صفحة جزء
3563 - وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر ) متفق عليه .


3563 - ( وعن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها ) : أي : ظهر ( فليجلدها ) أي أحدكم ( الحد ) أي الجلد كما أشار إليه بقوله ( فليجلدها ) . قال الطيبي : الحد مفعول مطلق أي فليجلدها الحد المشروع . وقال بعض علمائنا : وفي ذكر الأمة إشعار بأن حدها منكوحة كانت أو غيرها الجلد إلا أنه نصف جلد الحرائر لقوله تعالى : فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب وأريد بالعذاب الجلد لا الرجم ، لأنه لا ينصف ، واستدل الشافعي بالحديث على أن للمولى إقامة الحد على مملوكه ، وعلماؤنا حملوا قوله : فليجلدها على التسبب أي ليكن سببا لجلدها بالمرافعة إلى الإمام ، وفي الهداية : لا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام ، وقال الشافعي ، ومالك ، وأحمد : يقيم بلا إذن . وعن مالك إلا في الأمة المزوجة ، واستثنى الشافعي من المولى أن يكون ذميا أو مكاتبا أو امرأة ، وهل يجري ذلك على العموم حتى لو كان قتلا بسبب الردة ، أو قطع الطريق ، أو قطعا للسرقة ؟ ففيه خلاف عندهم . قال النووي : الأصح المنصوص ، نعم لإطلاق الخبر ، وفي التهذيب : الأصح أن القتل والقطع إلى الإمام . قال ابن الهمام : لهم ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ، قال : سئل رسول صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال : ( إن زنت فاجلدوها ، وإن زنت فاجلدوها ، وإن زنت ، فاجلدوها ، ثم بيعوها ولو بضفير ) . قال ابن شهاب : ما أدري أبعد الثالثة أو الرابعة ، والضفير : الحبل . وفي السنن قال عليه الصلاة والسلام : ( أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ) ولأنه يملك تعزيره صيانة لملكه عن الفساد فكذا الحد ، ولأن له ولاية مطلقة عليه [ ص: 2339 ] حتى ملك منه ما لا يملك الإمام من التصرف ، فملكه الإقامة عليه أولى من الإمام ، ولنا ما روى الأصحاب في كتبهم ، عن ابن مسعود ، وعن ابن عباس ، وابن الزبير موقوفا ومرفوعا : أربع إلى الولاة الحدود والصدقات والجمعات والفيء ; ولأن الحد خالص حق الله فلا يستوفيه إلا نائبه وهو الإمام ، وهذا الاستدلال يتوقف على صحة هذا الحديث ، وكونه حق الله ، وإنما يستوفيه نائبه مسلم ، لكن الاستنابة تعرف بالسمع ، وقد دل على أنه استناب في حقه المتوجه منه على الأرقاء مواليهم بالحديث السابق ، ودلالته على الإقامة بنفسه ظاهرة ، وإن كنا نعلم أنه ليس المراد الإقامة بنفسه فإنه لو أمر به غيره كان ممتثلا ، فجاز كون المراد ذكره للإمام ليأمر بإقامته ، لكن لما لم يثبت المعارض المذكور لا يجب الحمل على ذلك ، بل على الظاهر المتبادر من كون القائل : أقام فلان أو جلد فلان ، أنه باشره أو أمر به على أن المتبادر أحد دائرة فيهما لا في ثلاثة ، وهما هذان مع رفعه إلى الحاكم ليحده نعم من استقر اعتقاده على أن إقامة الحدود إلى الإمام فالمتبادر إليه من ذلك اللفظ الأخير بخصوصه اه . كلام المصنف المحقق والله الموفق . ( ولا يثرب عليها ) بتشديد الراء أي لا يعيب عليها أي على الأمة ولا يعيرها أحد بعد إقامة الحد ، لأنه كفارة لذنبها . قال القاضي : التثريب التأنيب والتعيير ، وكان تأديب الزناة قبل شرع الحد هو التثريب وحده ، فأمرهم بالجلد ، ونهى عن الاقتصار بالتثريب ، ولعله إنما أسقط التغريب عن المماليك نظرا للسادة صيانة لحقوقهم . قال النووي : فيه دليل على وجوب حد الزنا على الإماء والعبيد ، وأن السيد يقيم الحد عليهما ، وله أن يتفحص عن جرمهما ، ويسمع البينة عليهما ، وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم . وقال أبو حنيفة وطائفة : ليس له ذلك . وهذا الحديث صريح في الدلالة للجمهور . قلت : الصراحة ممنوعة ; لأن الخطاب عام لهذه الأمة وكذا لفظ أحدكم فيشمل الإمام وغيره ، ولا شك أنه الفرد الأكمل فينصرف المطلق إليه ، ولأنه العالم بما يتعلق بالحد من الشروط ، وليس كل واحد من المالكين له أهلية ذلك ، مع أن المالك متهم في ضربه وقتله أنه لذلك أو لغيره ، ولا شك أنه لو جوز له على إطلاقه لترتب عليه فساد كثير ، وعلى هذا التأويل رواية : إن زنت فاجلدوها ، ورواية : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم . ولعل وجه التخصيص أن الزنا لم يكن عيبا في الجواري والعبيد أيام الجاهلية ، فنبه على أنهم متساوون في الحد مع الأحرار ، لكن بطريق التنصيص كما دل على الآية . ( ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب ) ، فيه أنه لا يجمع بين الحد والتثريب قال النووي : وفيه أن الزاني إذا تكرر منه الزنا تكرر عليه الحد ، فأما إذا زنا مرات ولم يحد ، فيكفي حد واحد للجميع ، ( ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ) : أي بعد إقامة الحد أو قبلها ، وهو الظاهر وفيه إشارة إلى أن المراد بقوله : فليجلدها ليكن سبب جلدها بالمرافعة ، ليحصل تأديبها ، ولما تكرر منها ، وعلم عدم النفع فيها ، فأمره ببيعه من غير إقامة حدها . ( ولو بحبل من شعر ) : بفتح العين ويسكن أي : وإن كان ثمنها قليلا . قال النووي : فيه ترك مخالطة الفساق وأهل المعاصي ، وهذا البيع المأمور به مستحب . وقال أهل الظاهر : هو واجب ، وفيه جوز بيعه الشيء الثمين بثمن حقير إذا كان البائع عالما ، وإن كان جاهلا ففيه خلاف لأصحاب مالك فإنهم لا يجوزونه خلافا للجمهور ، وعلى البائع بيان حال السلعة وعيبها للمشتري . قلت : هذا كلام برأسه مستفاد من قواعد الشرع إذ ليس في الحديث دلالة عليه ، ثم قال : إن قيل كيف يكره شيئا لنفسه ويرتضيه لأخيه المسلم ؟ فالجواب : لعل الزانية تستعف عند المشتري بنفسها أو بصونها أو بالإحسان إليها ، والتوسعة عليها ، أو تزويجها . قلت : إذا ظهر العيب فلا محذور في ذلك ، فالسؤال ساقط من أصله ، نعم يحتاج الجواب عمن يشتريها وهو عالم بها ، والأظهر أن بيعها بمنزلة التغريب زجرا وسياسة ودلالة إلى أنها غير قابلة للتربية عنده . ( متفق عليه ) .

[ ص: 2340 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية